دستورية شروط التمتع بالإعفاء الضريبي طبقا للمواد الرابعة
والخامسة والسادسة من القانون رقم 91 لسنة 2005
باسم الشعب
المحكمة الدستورية العليا
بالجلسة العلنية المنعقدة يوم الأحد، الثاني عشر من مايو سنة
2013م، الموافق الثانى من شهر رجب سنة 1434 ه
.
برئاسة السيد المستشار / ماهر
البحيرى رئيس
المحكمة
وعضوية السادة المستشارين : عدلي محمود منصور وعبد الوهاب عبد
الرازق وماهر سامى يوسف ومحمد خيرى طه النجار وسعيد مرعى عمرو والدكتور عادل عمر
شريف
نواب رئيس المحكمة
وحضور السيد المستشار الدكتور / حمدان حسن فهمي
رئيس هيئة المفوضين
وحضور السيد / محمد ناجى عبد السميع أمين السر
أصدرت الحكم الآتى
فى القضية المقيدة بجدول المحكمة الدستورية العليا برقم 29 لسنة 31
قضائية " دستورية"
.
المقامة من السيد / رشوان عبد اللطيف رشوان صالح
ضد
1- السيد رئيس الجمهورية
2- السيد رئيس مجلس الوزراء
3- السيد وزير المالية
4- السيد رئيس اللجنة (25)
طعون ضرائب الإسكندرية
5- السيد مدير عام مأمورية
ضرائب مينا البصل
الإجراءات
بتاريخ التاسع من فبراير سنة
2009، أودع المدعى صحيفة الدعوى الماثلة قلم كتاب المحكمة الدستورية العليا،
طالبًا الحكم بعدم دستورية المواد الرابعة والخامسة والسادسة من مواد إصدار
القانون رقم 91 لسنة 2005 فيما تضمنته المادة الرابعة – للتمتع بالإعفاء الضريبي –
من ألا يكون الشخص قد سبق تسجيله أو تقديمه لإقرار ضريبى أو خضع لأى شكل من أشكال
المراجعة الضريبية من قبل مصلحة الضرائب العامة أو مصلحة الضرائب على المبيعات،
وما تضمنته المادة الخامسة – لامتناع المطالبة بما لم يسدد من الضرائب – بأن يكون
الوعاء السنوي للضريبة محل النزاع لا يجاوز عشرة آلاف جنيه، وما تضمنته المادة
السادسة من أحكام.
وقدمت هيئة قضايا الدولة مذكرة، طلبت فيها الحكم برفض الدعوى.
وبعد تحضير الدعوى، أودعت هيئة المفوضين تقريرًا برأيها.
ونُظرت الدعوى على النحو المبين بمحضر الجلسة، وقررت المحكمة إصدار
الحكم فيها بجلسة اليوم.
المحكمة
بعد الاطلاع على الأوراق، والمداولة.
حيث إن الوقائع– حسبما يتبين من الاطلاع على صحيفة الدعوى وسائر
الأوراق– تتحصل فى أن المدعى بصفته
وليًا طبيعيًا على أحد أبنائه يباشر نشاط تجارة الألبان ومنتجاتها، ويحاسب ضريبيًا
أمام مأمورية ضرائب مينا البصل بالإسكندرية، إلا أنه لم يقدم الإقرارات الضريبية
عن نشاطه خلال السنوات 94و95 و1996، ثم قدم إقرارًا ضريبيًا عن عام 1997 بصافي
خسائر مقدارها (75) جنيهًا، فأخطرته مأمورية
الضرائب بالنموذج "18 ضرائب " فى 6/2/1999بتقديراتها لصافى أرباحه عن
السنوات من 94 حتى 1997 بواقع 17328 جنيهًا عن عام 1994، 26558 جنيهًا عن عام 1995،
32045 جنيهًا عن عام 1996، 38117جنيهًا عن عام 1997، فاعترض على هذا التقدير، إلا
أن المأمورية أصرت عليه وأخطرته بالنموذج رقم "19 ضرائب" فطعن عليه
بالطعن رقم 287 لسنة 2003 أمام لجنة الطعن الضريبي فأصدرت قرارها بتخفيض صافى
أرباحه لتصبح فى عام 1994مبلغ 8484 جنيهًا، وفى عام 1995 مبلغ 11938 جنيهًا، وفى
عام 1996 مبلغ13772 جنيهًا، وفى عام 1997
مبلغ 16074 جنيهًا . وإذ لم يصادف هذا التقدير قبول المدعى فقد أقام طعنًا عليه
الدعوى رقم 1496 لسنة 2004 " طعون ضرائب" أمام محكمة الإسكندرية
الابتدائية، فندبت
خبيرا لتقدير صافى أرباح المدعى، فأعد تقريرًا اعتمدته تلك المحكمة
فى قضائها الصادر بجلسة 29/11/2006، بتعديل قرار لجنة الطعن لتصبح صافى أرباح المدعى
عن عام 1994 مبلغ 5262 جنيهًا، وعام 1995 مبلغ 8412 جنيهًا، وعام 1996 مبلغ10260 جنيهًا، وعام
1997 مبلغ 12604 جنيهًا . لم يرتض المدعى هذا القضاء وطعن عليه بالاستئناف رقم 2
لسنة 63 قضائية أمام محكمة استئناف الإسكندرية،وبجلسة 8/1/2009 دفع المدعى بعدم
دستورية المادتين الرابعة والخامسة من مواد إصدار القانون رقم 91 لسنة 2005 فقررت
المحكمة تأجيل نظر الدعوى لجلسة5/3/2009 وصرحت للمدعى بإقامة
الدعوى الدستورية، فأقام دعواه الماثلة.
وحيث إن من المقرر فى قضاء هذه المحكمة أن نطاق الدعوى الدستورية
التى أتاح المشرع للخصوم إقامتها، يتحدد بنطاق الدفع بعدم الدستورية الذي أثير أمام
محكمة الموضوع، وفى الحدود التى تقدر فيها تلك المحكمة جديته. متى كان ذلك،وكان
المدعى قد دفع بجلسة 8/1/2009 بعدم دستورية المادتين الرابعة والخامسة من مواد
إصدار القانون رقم 91 لسنة 2005، فصرحت له محكمة الموضوع إقامة الدعوى الدستورية
طعنًا عليهما فقط، ومن ثم فإن طلب الحكم بعدم دستورية المادة السادسة من القانون
ذاته ينحل إلى طعن مباشر أقيم بالمخالفة للأوضاع المقررة قانونًا لإقامة الدعوى
الدستورية مما يتعين معه القضاء بعدم قبول هذا الشق من الدعوى.
وحيث إن المادة الرابعة من مواد إصدار القانون رقم 91 لسنة 2005
تنص على أن" يعفى كل شخص من أداء جميع
مبالغ الضريبة المستحقة على دخله وجميع مبالغ الضريبة العامة على المبيعات، وذلك
عن الفترات الضريبية السابقة على تاريخ العمل بهذا القانون، وما يرتبط بتلك
الضرائب من مقابل تأخير وغرامات وضريبة إضافية وغيرها، وذلك بالشرطين الآتيين:
أولاً– ألا يكون الشخص قد سبق
تسجيله أو تقديمه لإقرار ضريبى أو خضع لأى شكل من أشكال المراجعة الضريبية من قبل
مصلحة الضرائب العامة أو مصلحة الضرائب على المبيعات.
ثانيًا– أن يتقدم الممول بإقراره
الضريبى عن دخله عن آخر فترة ضريبية متضمنا كامل البيانات ذات الصلة، وأن يتقدم
للتسجيل لدى مصلحة الضرائب على المبيعات إذا بلغ حد التسجيل، وذلك قبل مضى سنة من
تاريخ العمل بهذا القانون.
ويسقط الإعفاء إذا لم ينتظم الممول فى تقديم إقراراته الضريبية عن
دخله عن الفترات الضريبية الثلاث التالية"
.
كما تنص المادة الخامسة من القانون ذاته على أن " تنقضي
الخصومة فى جميع الدعاوى المقيدة أو المنظورة لدى جميع المحاكم على اختلاف درجاتها
قبل أول أكتوبر سنة 2004 بين مصلحة الضرائب والممولين والتى يكون موضوعها الخلاف
فى تقدير الضريبة وذلك إذا كان الوعاء السنوى للضريبة محل النزاع لا يجاوز عشرة
آلاف جنيه . وتمتنع المطالبة بما لم يسدد من ضرائب تتعلق بهذه الدعاوى.
وفى جميع الأحوال لا يترتب على انقضاء الخصومة حق للممول فى
استرداد ما سبق أنسدده تحت حساب الضريبة المستحقة على الوعاء المتنازع عليه.
وذلك كله ما لم يتمسك الممول باستمرار الخصومة فى الدعوى بطلب يقدم
إلى المحكمة المنظورة لديها الدعوى خلال ستة أشهر من تاريخ العمل بهذا القانون" .
وحيث إن المصلحة الشخصية المباشرة – وهى شرط لقبول الدعوى
الدستورية – مناطها أن يكون ثمة ارتباط بينها وبين المصلحة فى الدعوى الموضوعية،
وذلك بأن يكون الفصل فى المسألة الدستورية لازمًا للفصل فى الطلبات المرتبطة بهاو
المطروحة على محكمة الموضوع . وكان المدعى قد سبق محاسبته ضريبيًا عن عام1993، وتقدم بإقرار ضريبي عن عام 1997، وخضع للمراجعة الضريبية من قبل
مصلحة الضرائب على المبيعات عن السنوات من 94 حتى 1997، ومن ثم تتوافر لمصلحة فى
الطعن على ما اشترطه نص المادة الرابعة من مواد إصدار القانون رقم91 لسنة 2005
– للإفادة من الإعفاء من
أداء جميع مبالغ الضريبة المستحقة عن نشاطه التجارى– من ألا يكون الشخص قد سبق
تسجيله أو تقديمه لإقرار ضريبى أو خضع لأى شكل من أشكال المراجعة الضريبية من قبل
مصلحة الضرائب العامة أو مصلحة الضرائب على المبيعات، كما تتوافر له مصلحة فى
الطعن على ما تضمنه نص المادة الخامسة من مواد إصدار القانون ذاته من اشتراط أن
يكون الوعاء السنوي للضريبة محل النزاع لا يجاوز عشرة آلاف جنيه حتى تنقضي الخصومة
فى جميع الدعاوى المقيدة أو المنظورة لدى جميع المحاكم على اختلاف درجاتها قبل أول
أكتوبر سنة 2004، بحسبان أن محل منازعة المدعى أمام محكمة استئناف الإسكندرية قد
جاوز هذا المبلغ خلال عامى 1996 و1997، وعلى ذلك يتحدد نطاق الدعوى الماثلة فيما
نص عليه البند (أولاً) من الفقرة الأولى من المادة الرابعة من مواد إصدار القانون
رقم 91 لسنة 2005 من " ألا يكون الشخص قد سبق تسجيله أو تقديمه لإقرار ضريبى
أو خضع لأى شكل من أشكال المراجعة الضريبية من قبل مصلحة الضرائب العامة أو مصلحة
الضرائب على المبيعات " وما تضمنه نص المادة الخامسة من القانون ذاته من
اشتراط ألا يجاوز الوعاء السنوى للضريبة محل النزاع عشرة آلاف جنيه لانقضاء
الخصومة القضائية ولامتناع المطالبة بها، دون أن يمتد هذا النطاق
إلى أية أحكام أخرى شملها النصان المطعون فيهما.
وحيث ن المدعى ينعى على نص المادة الرابعة من مواد إصدار القانون
رقم 91 لسنة2005 المشار إليه، أنه أعفى
المتهربين ضريبيًا من جميع مبالغ الضريبة المستحقة عليهم، وما يرتبط بها، وذلك عن
الفترات الضريبية السابقة على تاريخ العمل بهذا القانون، فى حين حرم الممولين
الملتزمين من هذا الإعفاء،الأمر الذى يُهدر مبدأ العدالة الاجتماعية التى يقوم
عليها النظام الضريبي،ويخل بمبدأ المساواة، كما ينال من الملكية الخاصة من خلال
تحميل الممول الملتزم بأعباء مالية أعفى منها المتهرب من أداء الضريبة، كما ينعى
على نص المادة الخامسة من القانون ذاته فيما تضمنته من قصر امتناع المطالبة بما لم
يسدد من ضرائب على المنازعات القضائية التى لا يجاوز فيها الوعاء السنوي للضريبة محل النزاع مبلغ عشرة آلاف جنيه، أن
هذا النصاب قد تم تحديده على غير أساس موضوعي أو دستورا، إذ إنه قلص دائرة الإعفاء
دون مبرر رغم اتحاد المركز القانوني لجميع الممولين، مما يُخل بمبدأ المساواة
ويهدر العدالة الاجتماعية التى يقوم عليها النظام الضريبي، وذلك كله بالمخالفة لأحكام
المواد 4، 32، 34، 38، 40 من دستور عام
1971 وحيث إن من
المقرر فى قضاء هذه المحكمة أن الطبيعة
الآمرة لقواعد الدستور وعلوها على ما دونها من القواعد القانونية
وضبطها للقيم التى ينبغى أن تقوم عليها الجماعة، تقتضى إخضاع القواعد القانونية
جميعها وأيًا كان تاريخ العمل بها لأحكام الدستور القائم لضمان اتساقها والمفاهيم التى
أتى بها فلا تتفرق هذه القواعد فى مضامينها بين نظم مختلفة يناقض بعضها البعض، بما
يحول دون جريانها وفق المقاييس الموضوعية ذاتها التى تطلبها الدستور القائم كشرط
لمشروعيتها الدستورية.
وحيث إن المناعى التي وجهها المدعى إلى النصين المطعون فيهما تندرج
تحت المطاعن الموضوعية التى
تقوم فى مبناها على مخالفة نص تشريعي معين لقاعدة فى الدستور من حيث محتواها الموضوعي،
ومن ثم فإن هذه المحكمة تباشر رقابتها الدستورية فى الدعوى الماثلة من خلال عرض
النصين المطعون فيهما على الدستور الصادر فى ديسمبر 2012.
وحيث إن ما ينعاه المدعى على نص المادة الرابعة المطعون فيها من
إهداره للعدالة الاجتماعية التي يقوم عليها النظام الضريبى وإخلاله بمبدأ المساواة
من المقرر فى قضاء هذه المحكمة أن السلطة
التشريعية هى التي تقبض بيدها على زمام الضريبة العامة، إذ تتولى بذاتها تنظيم
أوضاعها بقانون يصدر عنها متضمنًا تحديد نطاقها وعلى الأخص من خلال تحديد وعائها
وأسس تقديره،وبيان مبلغها والملتزمين أصلا بأدائها، والمسئولين عنها، وقواعد ربطها
وتحصيلها وتوريدها، وكيفية أدائها، وغير ذلك مما يتصل ببنيان هذه الضريبة،وإلى هذه
العناصر جميعها يقوم النظام الضريبى فى مصر ليحيط بها فى إطار من قواعد القانون
العام متخذًا من العدالة الاجتماعية وعلى ما تنص عليه المادة(26) من الدستور
أساسًا لفرض الضرائب وغيرها من التكاليف المالية العامة.
وحيث إن توزيع الأعباء المالية للدولة توزيعًا منصفًا من خلال
الضريبة، يعد عملية بالغة التعقيد تكتنفها مخاطر عديدة مترامية فى مداها، إلا أن
ممارسة السلطة التشريعية لولايتها فى هذا النطاق لا يجوز إنكارها أو غل يدها
عنها،بل يتعين أن يتوافر لهذه السلطة المرونة الكافية عند مراجعتها لقوانين ضريبية
سابقة على ضوء ما أسفر عنه تطبيقها، وانطلاقًا من ضرورة مواجهة الأعباء المتزايدة
التى تتحملها الدولة فى مجال نهوضها بالمرافق العامة،وبمراعاة عدم الإخلال
بالمراكز القانونية المتماثلة.
وحيث إن الأصل فى سلطة المشرع فى مجال تنظيم الحقوق أنها سلطة
تقديرية ما لم يقيدها الدستور بضوابط معينة . وكان جوهر السلطة التقديرية يتمثل فى
المفاضلة التي يجريها المشرع بين البدائل المختلفة لاختيار ما يُقدر أنه أنسبها
لمصلحة الجماعة وأكثرها ملائمة للوفاء بمتطلباتها فى خصوص الموضوع الذى يتناوله
بالتنظيم.
وحيث إن النص فى المادة (14) من الدستور على أن ( يهدف الاقتصاد الوطني
إلى تحقيق التنمية المطردة الشاملة ......، وتعمل خطة التنمية على إقامة العدالة
الاجتماعية والتكافل، وضمان عدالة التوزيع)، والمادة (26) على أن( العدالة
الاجتماعية أساس الضرائب وغيرها من التكاليف المالية العامة )، لايعنى الإخلال بحق
المشرع فى مباشرة سلطته التقديرية فى مجال تنظيم الحقوق،إتباعا لضوابط الدستور،
وهو ما يقوم به بالمفاضلة بين البدائل المتاحة،مرجحًا من بينها ما يراه أكفل
لتحقيق المصالح المشروعة التى قصد إلى حمايتها.
وحيث إن قضاء هذه المحكمة قد جرى على أن مبدأ مساواة المواطنين
أمام القانون لا يعنى أن تعامل فئاتهم على ما بينها من تفاوت فى مراكزها القانونية
معاملة قانونية متكافئة، كذلك لا يقوم هذا المبدأ على معارضة صور التمييز
جميعها،ذلك أن من بينها ما يستند إلى أسس موضوعية ولا ينطوى
– تبعًا لذلك – على مخالفة
لنص المادة (40) من دستور عام 1971 التى تقابل المادة (33) من الدستور الحالي، بما
مؤداه أن التمييز المنهي عنه، هو ذلك الذي يكون تحكميًا، إذ إن كل تنظيم تشريعى لا
يعتبر مقصودًًا لذاته، بل لتحقيق أغراض بعينها يعتبر هذا التنظيم ملبيًا لها،
وتعكس مشروعية هذه الأغراض إطارًا للمصلحة العامة التى يسعى المشرع إلى بلوغها،
متخذًا من القواعد القانونية التى يقوم عليها هذا التنظيم سبيلاً إليها.
وحيث إن النص المطعون فيه تأسس – حسبما ورد بتقرير اللجنة المشتركة
من لجنة الخطة والموازنة ومكتب لجنة الشئون الدستورية والتشريعية بمجلس الشعب – على
تقديم مفهوم العفو الضريبي، وهو المفهوم الذى يحقق تطورًا ملحوظًا ليس فقطفى حجم
المجتمع الضريبى من خلال ضم المزيد من الممولين إليه، وإنما أيضا للتيسير على صغار
الممولين الذين لم يستطع النظام الضريبى السابق – مع ارتفاع أسعاره نسبيًا، إضافة
إلى بعض التعقيدات فى العلاقات الضريبية – أن يستوعبهم، ولم يستطع هؤلاء الممولون
توفيق أوضاعهم معه، وإتاحة الفرصة لهؤلاء الممولين لأن ينضموا إلى المنظومة
الرسمية للضرائب، وقبولهم ضمن النظام الضريبى من خلال إعطائهم فرصة لإثبات جديتهم
فى دخول هذا النظام،والانتظام فى سداد حقوق المجتمع، وهو فكر انتهجته عديد من
النظم الضريبية فى العالم على اختلاف مراحل التنمية التى تمر بها.
وحيث إن النص المطعون فيه يُحد من حالات التهرب الضريبي، ويؤدى إلى
اتساع قاعدة الممولين من خلال ضم المتهربين من تسجيل أنشطتهم لدى مصلحة الضرائب،
وذلك بتقرير حافز يدفعهم للانضمام إلى الاقتصاد الرسمى دون تخوف من معاملتهم ضريبيًا
بأثر رجعى وبتقديرات جزافية، مما يؤدى إلى زيادة حصيلة الخزانة العامة من الضرائب
التى سوف تستحق مستقبلاً على أنشطتهم، خاصة وقد ألزمهم النص المطعون فيه بالانتظام
فى تقديم الإقرارات الضريبية خلال السنوات الثلاث التالية وإلا سقط عنهم الإعفاء.
وحيث إن النص المطعون فيه جاء تتويجًا للسياسة التشريعية التى
انتهجها المشرع الضريبي، واستكمالاً لمنظومة الإصلاحات الضريبية بهدف توطيد
العلاقة بين الممولين ومصلحة الضرائب، ومد جسور الثقة والتفاهم بين الجانبين،
والتى بدأت بالقانون رقم 11 لسنة 1996 بالتجاوز عن تحصيل مقابل التأخير المنصوص
عليه فى قانون ضريبة الدمغة رقم 111 لسنة 1980، وقانون الضرائب على الدخل رقم 157
لسنة 1981، وذلك نظير سداد الممول للضريبة المستحقة عليه، وما أعقب ذلك من صدور
القانون رقم 159 لسنة 1997 فى شأن التصالح فى المنازعات الضريبية لدى جميع المحاكم
على اختلاف درجاتها، ثم مد ميعاد التصالح الوارد به بالقانونين رقمى 161 لسنة 2000
و76 لسنة 2003، وتلا ذلك صدور القانون رقم 3 لسنة 1999 بتقرير حوافز لأداء الضرائب
مقابل أداء نسبة من الضريبة واجبة الأداء أو مقابل التأخير أو المبالغ الإضافية
الأخرى المستحقة.
وحيث إنه بالبناء على ما تقدم، فإن النص المطعون فيه يكون قد سن
قواعد لا تُقيم فى مجال تطبيقها تمييزًا بين المخاطبين بأحكامها، مستهدفًا بذلك تحقيق
أغراض بعينها يعتبر التنظيم الوارد به ملبيًا لها، وتعكس مشروعية هذه الأغراض
إطارًا للمصلحة العامة التى يسعى المشرع إلى بلوغها، ومن ثم فإنهلا يكون مخالفًا
لأحكام الدستور.
وحيث إنه لا ينال مما تقدم، ما نعاه المدعى على النص المطعون فيه،
من إهداره للعدالة الاجتماعية التى تعد أساس فرض الضرائب وغيرها من التكاليف المالية
العامة على النحو الذى قررته المادة (26) من الدستور، وذلك بإعفاء من مارس نشاطه
بعيدًا عن علم الإدارة الضريبية من جميع المبالغ الضريبية المستحقة عليه وما يرتبط
بها، فى حين حرم الممولين الملتزمين من هذا الإعفاء، ذلك أن الفئة الأولى عجزت
الإدارة الضريبية عن الكشف عنها، والهدف من تقرير هذا الإعفاء الكشف عن أنشطة هذه
الفئة ودخولها فى منظومة المحاسبة الضريبية من خلال الانتظام فى تقديم الإقرارات
الضريبية عن الثلاث السنوات التالية لدخولها هذه المنظومة وإلا سقط هذا الإعفاء .
ودون تقرير هذه الميزة لظلت هذه الفئة – وهى فى أغلبها تخص صغار الممولين – بعيدة
عن المحاسبة الضريبية، مما يقلل من حصيلة إيرادات الدولة الأمر الذى يؤثر سلبيًا على
مواجهة النفقات العامة.
وحيث إنه لا ينال مما تقدم أيضًا ما نعاه المدعى على النص المطعون
فيه من إخلاله بمبدأ المساواة بين الممولين أصحاب المراكز القانونية المتماثلة،ذلك
أن النص المطعون فيه يخاطب فئة معينة من الممولين الذين عجزت الإدارة الضريبية عن
الكشف عنهم، وهؤلاء إن كشفوا عن أنشطتهم للإفادة من حكم النص عليهم أن يلتزموا
بالشروط التى تضمنها والتى تخلص فى تقديم إقرار ضريبي عند خولهم عن آخر فترة
ضريبية، وأن يتقدموا للتسجيل لدى مصلحة الضرائب على المبيعات إذا بلغوا حد
التسجيل، وأن ينتظموا فى تقديم إقراراتهم الضريبية عن دخولهم عن الفترات الضريبية
الثلاث التالية، وإلا سقط عنهم هذا الإعفاء،فى حين أن الممولين الذين يحاسبون
ضريبيًا ولهم منازعات ضريبية مطروحة على القضاء حول تقدير قيمة الضريبة خصهم
القانون ذاته فى موضع آخر بميزات قصرها عليهم، بأن منع المطالبة بما لم يسدد من
ضرائب تتعلق بهذه المنازعات إذا كان الوعاء السنوي للضريبة محل النزاع لا يجاوز
عشرة آلاف جنيه، ما لم يطلب الممول الاستمرار فى نظر المنازعة، وأجاز للممول طلب
إنهاء الخصومة فالدعاوى التى يتجاوز فيها الوعاء السنوى للضريبة مبلغ عشرة آلاف
جنيه،مقابل سداد نسبة تتراوح ما بين
10% و40% من الضريبة والمبالغ
الأخرى المستحقة على الوعاء المتنازع عليه.
وحيث إن ما ذهب إليه المدعى من أن مؤدى النص المطعون فيه إعفاء من
تهرب من أداء الضريبة من محاكمته عن واقعة التهرب الضريبي، فى حين أن من تم كشف تهربه
قبل العمل بالقانون رقم 91 لسنة 2005 يحاكم جنائيًا عن واقعة التهرب،فمردود بأن ما
تضمنه النص المطعون فيه من إعفاء عن الفترات السابقة على تاريخ العمل بذلك
القانون، ينطوى فى ذاته على إعفاء الجرائم السابق اكتشافها، باعتبار أن الإعفاء
الذى تقرر يُعد بمثابة قانون أصلح للمتهم ويعتبر معدمًا للجريمة بأثر رجعى.
وحيث إن المدعى ينعى على نص المادة الخامسة من مواد إصدار القانون
ذاته– محددًا نطاقًا
على النحو السالف بيانه – أنه فيما تضمنه من قصر امتناع المطالبة بما لم يسدد من
ضرائب، على المنازعات القضائية التى يكون الوعاء السنوى للضريبة محل المنازعة لا
يجاوز عشرة آلاف جنيه، أنه قد حدد هذا النصاب على غير أساس موضوعي، بأن جعل منح
المزايا الضريبية مرهونًا بأن يكون الوعاء السنوى للضريبة محل النزاع غير مجاوزٍ
لهذا النصاب، مما قلص من دائرة الإعفاء دون مبرر، رغم اتحاد المركز القانونى لجميع
الممولين.
وحيث إن هذا النعي مردود بأن الأصل فى النصوص القانونية التى تنظمها
وحدة الموضوع، هو امتناع فصلها عن بعضها، باعتبار أنها تُكَوِّن فيما بينها وحدة
عضوية تتكامل أجزاؤها، وتتضافر معانيها، وتتحد توجهاتها ليكون نسيجا متآلفا – متى
كان ذلك، فإن نصوص قانون إصدار قانون الضريبة على الدخل رقم91 لسنة 2005
تعتبر كلاً واحدًا، يكمل بعضها البعض، ويتعين أن تفسر عباراتها على النحو الذى
يمنع التعارض بينها.
وحيث إنه بالاطلاع على نص المادتين الخامسة والسادسة من مواد إصدار
القانون رقم91 لسنة 2005 السالف الإشارة
إليه، يتبين أن المشرع وضع نظامًا يكفل من خلاله تصفية المنازعات القضائية القائمة
بين الممولين ومصلحة الضرائب قبل أول أكتوبر سنة 2004، جاعلاً أمر الإفادة منه
مرهون بإرادة الممولين، فلهم أن يفيدوا من أحكامه، أو أن يطلبوا الاستمرار فى نظر
الخصومة القضائية وفقًا لما يقدرونه محققًا لمصالحهم، وقد تأسس التنظيم الوارد
بهذين النصين على قيمة الوعاء السنوى للضريبة محل النزاع، وهو معيار موضوعي، فإن
كان هذا الوعاء لا يجاوز عشرة آلاف جنيه، ولم يطلب الممول استمرار نظر الخصومة
القضائية، امتنعت مطالبته بما لم يسدد من ضرائب عن ذلك الوعاء مقابل سقوط حقه فى
استرداد ما سبق سداده من ضريبة، وهذا عين ما نصت عليه المادة الخامسة من مواد
إصدار القانون رقم 91 لسنة 2005، أما إن جاوز الوعاء السنوى للضريبة محل النزاع
مبلغ عشرة آلاف جنيه، جاز التصالح فى المنازعات القائمة بين مصلحة الضرائب والممولين
مقابل سداد مبالغ تتراوح نسبتها مابين 10% و40% من الضريبة والمبالغ الأخرى
المستحقة على الوعاء السنوى للضريبة المتنازع عليه وترتفع نسبة ما يسدد كلما
ارتفعت قيمة الوعاء المشار إليه على نحو ما نصت عليه المادة السادسة من مواد إصدار
ذلك القانون. وبذلك يكون المشرع قد أخذ
بمبدأ التدرج فى التمتع بالمزايا الضريبية التى أتاحها للممولين، فقرر امتناع
المطالبة بما لم يسدد من ضرائب إذا كان الوعاء السنوى للضريبة محل النزاع لا يجاوز
عشرة آلاف جنيه، فإن جاوز هذا النصاب صار لازمًا سداد نسبة تتصاعد مع زيادة قيمة
الوعاء . والمشرع بذلك التنظيم يكون بما له من سلطة تقديرية قد أجرى مفاضلة بين
البدائل المختلفة لتحقيق الأغراض التى يتوخاها لتصفية المنازعات القضائية الدائرة
بين مصلحة الضرائب والممولين، ولا يعد مسلكه فى هذا الشأن مخالفًا لمبدأ العدالة
الاجتماعية التى يؤسس عليها النظام الضريبى على النحو المنصوص عليه فى المادة (26)
من الدستور، كما أنه لا ينطوى على أى تمييز غير مبرر بالمخالفة لمبدأ المساواة على
ما تقضى به المادة (33) من الدستور، فضلاً عن أنه ليسبه ما يُخل بالحماية المقررة
للملكية الخاصة وفقًا لما تنص عليه المادة(24) من الدستور وحيث إن
النصين المطعون فيهما لا يخالفان أى حكم آخر من أحكام الدستور، فإن القضاء برفض
الدعوى الماثلة يكون متعينًا.
فلهذه الأسباب
حكمت المحكمة برفض الدعوى،
وبمصادرة الكفالة، وألزمت المدعى المصروفات ومبلغ مائتى جنيه مقابل أتعاب المحاماة.