مشاركة واس

بسم الله الرحمن الرحيم

بسم الله الرحمن الرحيم والصلاة والسلام على أشرف المرسلين سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين - أهلا وسهلا ومرحبا زائرنا الكريم .

احدث الموضوعات

السبت، 10 يناير 2015

أنواع القوائم المالية

مشاركة


أنواع القوائم المالية

تشمل القوائم المالية الرئيسية:

1. الميزانية، أو"قائمة المركز المالي".

2. قائمة الدخل.

3. قائمة التوزيع، أو"الأرباح المحتجزة".

وتشمل قائمة المركز المالي، كل الحسابات في دفتر "الأستاذ العام"، التي مازال لها أرصدة مدينة أو دائنة، بعـد عمـل التسويـات الجرديـة وإقفال الدفاتـر. ويتم ترتيب هذه الأرصـدة في قائمة المركز المالي بطريقة خاصة. ويمكـن وصف قائمة المركـز المالي، علـى أنها قائمة الاستثمـارA Statement of Investment، بمعنى أنها تشتمل على عرض وتحليل لمصادر الأموال (الأموال المقترضة ورأس المال المملوك)، واستثمار هذه الأموال في مختلف أصول المشروع (أوجه الاستخدام). وهذا الوصف لقائمة المركز المالي، يؤكد أنها ليست قائمة قيمة، ولكنها بيان عن مصادر الأموال، واستخدامها، مرتبة طبقاً لقواعد متعارف عليها.



أمّا قائمة الدخل، فهي بيان الإيرادات والمصروفات، وصافي الربح أو صافي الخسارة، الناتجة من عمليات المشروع، عن فترة محاسبية محددة، أي أنها بمثابة قائمة للنشاط a statement of activity.



أمّا بالنسبة إلى قائمة التوزيع أو "الأرباح المحتجزة"، في شركات المساهمة فهي تحليل للتغيرات، التي حدثت في حقوق أصحاب المشروع Stockholder’s Equity، خلال فترة المحاسبة.

وإلى جانب هذه القوائم الرئيسية، هناك قوائم أخرى مساعدة أو فرعية، لإعطاء تفصيلات عن بعض البنود، التي تظهر بصورة مختصرة في القوائم المالية الأساسية. وتُعدّ هذه القوائم الفرعية، في الغالب، في صورة جداول. ومن أمثلة هذه الجداول، تلك التي تُعطي تفصيلات عن المباني، والأراضي، والآلات، ومجمع الإهلاك (الاستهلاك للأصول)، والمخزون السلعي، والاستثمارات طويلة الأجل، والالتزامات طويلة الأجل، وتكلفة المبيعات، والمصروفات البيعية، والمصروفات الإدارية… الخ.

تُعرّف القوائم المالية، الرئيسية والفرعية، بأنها تقارير عامة Over-All Reports، بمعنى أنها تُظهر المركز المالي، ونتيجة الأعمال للمشروع كوحدة واحدة. وتُعَدّ هذه البيانات الإجمالية بيانات تاريخية بطبيعتها. وهذه البيانات الإجمالية العامة عن المشروع، لا يمكن استخدامها للحكم التفصيلي عن قسم أو جانب من نشاط المشروع، خلال دورة التشغيل. ولكن إدارة المشروع، تحتاج إلى عدد من التقارير التفصيلية أو الإجمالية، عن أجزاء أو عن أوجه نشاط معينة، ينفذها هذا المشروع. وهذه التقارير الداخلية، قد يتم إعدادها على أساس يومي، أو أسبوعي، أو شهري، أو ربع سنوي، أو طبقاً لطلب الإدارة.

ثانياً: الأهمية النسبية لقائمة المركز المالي (الميزانية)

كانت الميزانية، في وقت من الأوقات، تُعَدّ أهم القوائم الناتجة عن المحاسبة. ولكن، بدا بعد ذلك واضحاً، أن المقدرة الإيرادية للمشروع، هي من العوامل المتحكمة والمحددة لمركزه المالي. كما بدأ مستخدمو القوائم المالية يشعرون بالحدود المفروضة على قائمة المركز المالي. ونتيجة لذلك، كان انتقال الأهمية النسبية من الميزانية وتحديد مراكز الأموال، إلى الأرباح والخسائر ونتيجة حركة الأموال. فقبل الأزمة الاقتصادية، عام 1929[1]، كان اهتمام المحاسبين يتركز حول تحديد المراكز المالية للمشروعات، عن طريق تصوير قائمة المركز المالي (الميزانية). أمّا مشكلة تحديد صافي الربح أو الخسارة، فقد احتلت المركز الثاني. وكان الربح يقاس، في أغلب الأحوال، عن طريق تطبيق مبدأ الميزانية "Balance Sheet Approach"، الذي يقضى بحصر ومقارنة صافي أصول المشروع أول المدة وآخرها، وأي زيادة تدل على صافي الربح، وأي نقص يدل على صافي الخسارة. ويرجع الاهتمام بالميزانية في ذلك الوقت للأسباب التالية:

1. كان الاعتقاد سائداً، بأن نجاح المشروع يرتبط بحجم الأصول، ومدى كفايتها، لسداد حقوق الغير، وحقوق أصحاب المشروع.

2. كان من أهم أغراض الميزانية، هو تقديمها إلى البنوك للحصول على القروض اللازمة للمشروع. وكانت سياسة القروض المتبعة في البنوك، في ذلك الوقت، تعتمد على دراسة المركز المالي للمشروع وفحصه، أي أن قيمة القرض كانت تتناسب تناسباً طردياً مع حجم صافي الأصول.

3. كان الدائنون ينظرون إلى رؤوس أموال المشروعات، على أنها الضمان العام الوحيد لحقوقهم.

ولعل هذه العوامل مجتمعة، هي التي أدّت إلى الاهتمام بالميزانية، وتحديد مراكز الأموال، في ذلك الوقت، عن طريق جرد أصول وخصوم المشروعات وتقويمها، وإعداد الميزانية في أول المدة وآخرها.

ولكن منذ الأزمة الاقتصادية، عام 1930، حدثت تطورات اقتصادية وقانونية مهمة، أثّرت، إلى حد كبير، في الفكر المحاسبي، وأدّت إلى تحول الاهتمام من الميزانية إلى حساب الأرباح والخسائر.

ومن العوامل، التي أدت إلى هذا التطور، الآتي :

1. لفتت الأزمة الاقتصادية أنظار المحاسبين إلى أن مراكز الأموال وحدها غير كافية، للحكم إلى مدى نجاح المشروعات. وأن المقدرة الربحية للمشروع، هي التي تعبر تعبيراً صادقاً عن مدى كفاية الإدارة وفاعليتها.

2. تحـول اهتمام أصحاب البنوك إلى الربح، أساساً لسياسة الاقتراض. فقد اتضح لهم أن كثيراً من المشروعات عاجزة عن سداد القروض، على الرغم من كبر حجم صافي الأصول. وذلك، لأن هذه القروض تتمثل عادة في أصول ثابتة أو متداولة، من الصعب تحويلها إلى نقدية سائلة، نتيجة الأزمة الاقتصادية.

3. أدرك الدائنون، للمرة الأولى، أهمية المقدرة الربحية، إلى جانب حجم رؤوس الأموال، كضمان عام لحقوقهم لدى الشركات.

4. انتشرت قوانين الضرائب على الأرباح التجارية والصناعية، الأمر الذي أدّى إلى ضرورة فصل العمليات الإيرادية، عن الرأسمالية، وتصوير قائمة أرباح وخسائر مستقلة، لتحديد الربح الخاضع للضريبة.

5. ظهر كثير من المنازعات القضائية أمام المحاكم، فيما يتعلق بمشاكل توزيع الربح، مما تتطلب ضرورة تحديد مفهوم الربح، وعناصره تفصيلاً، حتى يمكن البت في هذه المنازعات بصورة عادلة.

كل هذه العوامل، أدّت إلى تحول الاهتمام من الميزانية وتحديد مراكز الأموال، إلى حساب الأرباح والخسائر، لتحديد صافي الربح القابل للتوزيع. وترتب على ذلك، ظهور فكرة تحديد الأرباح عن طريق تحليل عمليات المشروع Transactions Approach، بقصد فصل العمليات المتعلقة بتحديد الربح، عن تلك المتعلقة بتحديد مراكز الأموال في المشروع.

إن تحول الاهتمام من الميزانية (قائمة المركز المالي)، إلى حساب الأرباح والخسائر "قائمة الدخل"، لا يعنى بالضرورة أن الميزانية أصبحت عديمة الأهمية أو المنفعة. إن الميزانية، خاصة عندما تشتمل على بيانات مقارنة، في تواريخ زمنية مختلفة، توفر بيانات كثيرة للدائنين، والمساهمين الحاليين والمحتملين، وإدارة المشروع، والجمهور. ومن بين ما توضحه الميزانية من بيانات، مدى ما يتوافر لدى المشروع من سيولة في الفترة القصيرة، والالتزامات، التي ينبغي أن يواجهها المشروع في المستقبل، ومصالح الدائنين وحقوق الملكية والاتجاهات المختلفة، لتطور تلك العناصر وما إذا كانت في مصلحة المنشأة أم لا. وبناء على ذلك، فإنه يمكن القول إن قائمة المركز المالي تُلْقِي كثيراً من الضوء على وضع المشروع ومركزه، ويضاف ذلك، بطبيعة الحال، إلى ما توفره قوائم الدخل من ضوء على نتيجة أعمال المشروع، من ربح أو خسارة.

الأنظمة الاقتصادية

مشاركة




الأنظمة الاقتصادية


النظام الاقتصادي Economic System هو مجموعة العلاقات الاقتصادية والقانونية والاجتماعية التي تحكم سير الحياة الاقتصادية في مجتمع ما في زمان بعينِه. ويركز النظام الاقتصادي على مجموعة العلاقات والقواعد والأسس التي تحكم التفاعل والتأثير المتبادل بين الحاجات البشرية من جهة والموارد الطبيعية والبشرية والمعرفية والتقنية المتاحة من جهة أخرى.
ويعدّ النظام الاقتصادي جزءاً لا يتجزأ من النظام الاجتماعي العام يتأثّر به ويؤثِّر فيه. وعرّف أنتونيلي Antonelli النظام الاقتصادي بأنه مجموعة من العلاقات والمؤسسات التي تميز الحياة الاقتصادية لجماعة محددة في الزمان والمكان. وهو عند سومبارت Sompart المظهر الذي يجمع بين العناصر الثلاثة التالية:
ـ الجوهر: أي مجموعة الدوافع والبواعث التي تحرك الفعاليات الاقتصادية.
ـ الشكل: أي مجموعة العوامل الاجتماعية والحقوقية والتأسيسية التي تحدد إطار النشاط الاقتصادي والعلاقات بين جميع المسهمين في النشاط الاقتصادي كنوع الملكية ونظام العمل ودور الدولة في الحياة الاقتصادية للمجتمع.
ـ المحتوى المادي: أي المستوى التقني للإنتاج المتمثل بمستوى تطور وسائل الإنتاج التي يُحصل بوساطتها على السلع والخدمات.
وتتحدد طبيعة النظام الاقتصادي من التداخل المنطقي بين العناصر الثلاثة المذكورة. ويؤكد سومبارت أن عنصر الشكل هو المحدد الرئيسي لطبيعة النظام؛ لأنه تعبيرٌ عن الروحية التي تعكس في النهاية بالخلفية الفكرية (العقيدة) التي يقوم عليها النظام. وتتوافق الروحية أيضاً مع مستوى معين من تطور وسائل الإنتاج.
واعتمد التحليل الماركسي على المقاييس الاقتصادية أساساً للتفريق بين الأنظمة الاقتصادية، إذ يعدها، مع البنى الاجتماعية والقانونية المتوافقة معها، البنية الفوقية التي تتولد عن أسلوب الإنتاج السائد والمكون من قوى الإنتاج الاجتماعية وعلاقات الإنتاج، ويفرق بين الأنظمة الاقتصادية على أساس ملكية وسائل الإنتاج والطبقة التي تتحكم فيها.
تصنيف النظم الاقتصادية
تصنف النظم الاقتصادية استناداً إلى عدد من المؤشرات والمعايير، وأهم هذه التصنيفات:
ـ التصنيف الذي يعتمد نوع الملكية ونظام العمل وإسهام الدولة وغيرها عوامل للتفريق بين الأنظمة الاقتصادية.
ـ التصنيف الذي يعتمد نوع الملكية عاملاً وحيداً يُفرق به بين الأنظمة الاقتصادية.
ووفقاً للتصنيف الأول يلاحظ أن ثمة أنظمة اقتصادية أساسية وأخرى ثانوية (هامشية). ومن أهم الأنظمة الاقتصادية الأساسية: نظام الاقتصاد المغلق، ونظام الاقتصاد الحِرْفي، والنظام الاقتصادي الرأسمالي، والنظام الاقتصادي الاشتراكي. أما الأنظمة الاقتصادية الثانوية  فمنها: نظام الطوائف، والنظام التعاوني.
نظام الاقتصاد المغلق: يقوم على مبدأ الاكتفاء الذاتي، ويتميز بتدني مستوى تطور وسائل الإنتاج والتقانة، مما يؤدي إلى قلة كميات الإنتاج.
النظام الاقتصادي الحرفي: الذي نشأ وتطور مع نشوء المدينة وتطورها، ويتميز بتزايد مهارة الحرفي الذي أجاد صناعة السلعة، ويقوم على الملكية الخاصة لوسائل الإنتاج، وخضوع الحرفيين إلى قوانين غير مكتوبة بل نابعة من الأعراف والتقاليد.
ويعتمد الحرفي في عمله على استخدام المعدات اليدوية البسيطة وينتج كميات قليلة من السلع بحسب الطلب.
نظام الطوائف: يعتمد هذا النظام على تنظيمات مهنية تسمى بالطوائف، تضم كلَّ العاملين في مهنة واحدة. هدفه أن يوافق بين الطبقات التي تكوِّن المجتمع، وجمع العمل ورأس المال في بنية وظيفية واحدة. فهو يعتمد على الملكية الخاصة لوسائل الإنتاج. ويلاحظ فيه تطور المستوى التقني لوسائل الإنتاج.
أمَّا التصنيف الثاني الذي أخذت به النظرية الماركسية والذي يعتمد على نوع أسلوب الإنتاج المرتبط بنوع ملكية وسائل الإنتاج، فهو يفرق بين أنظمة اقتصادية تقوم على الملكية الخاصة لوسائل الإنتاج وفيها استغلال الإنسان لأخيه الإنسان، ونظام اقتصادي آخر يقوم على الملكية الجماعية لوسائل الإنتاج لا استغلال فيه. ويوحد هذا التصنيف بين مفهوم النظام الاقتصادي ـ الاجتماعي ومفهوم التشكيلة الاقتصادية الاجتماعية. وقد طورت النظرية الماركسية مفهوم النظام الاقتصادي حتى صار يعني تشكيلة اقتصادية اجتماعية يحددها أسلوب الإنتاج الذي يتحدد في نوع ملكية وسائل الإنتاج وعلاقات الإنتاج. وبذلك يكون مفهوم النظام الاقتصادي قد تأثر مباشرة بمفهومات أسلوب الإنتاج والتشكيلة الاقتصادية الاجتماعية. وقد فرَّقت النظرية الماركسية استناداً إلى هذا التصنيف بين خمسة أنظمة اقتصادية ـ اجتماعية تتوافق تقريبياً مع مراحل تطور تاريخ البشرية الاقتصادي. ولكن في مرحلة الانتقال من نظام اقتصادي إلى نظام آخر لابد من مرحلة انتقالية يتعايش فيها أكثر من نمط اقتصادي اجتماعي في وقت واحد. وهذه الأنظمة هي:
المشاعية البدائية: تعد المشاعية البدائية أول نظام اقتصادي اجتماعي في التاريخ، وكانت وسائل الإنتاج التي استخدمها الإنسان بسيطة وبدائية، كما كانت مهارات العمل وخبرة الأفراد ومعرفتهم قليلة جداً. لذلك لم يكن في مقدور الأفراد مواجهة الطبيعة إلا بتجميع جهودهم وتضافرها. وقد عاش الأفراد في مشاعات قبلية متوحدين على أساس قرابة الدم، تسيطر عليهم عادات وتقاليد بسيطة. وكانت المحاصيل القليلة التي لا تكاد تفي بحاجة الإنسان توزع بين أفراد المشاعة توزيعاً متساوياً، لذلك لم يكن هناك فائض من المحاصيل يمكن انتزاعه من الآخرين، ولا تفاوتٌ اقتصاديٌّ أو علاقات استغلال في المجتمع. فكانت وسيلة الإنتاج الرئيسة هي الأرض، وسيطر الاقتصاد الطبيعي(إنتاج ـ توزيع ـ استهلاك) في هذه التشكيلة الاجتماعية الاقتصادية. وكان نمط الإنتاج تعاونياً وجماعياً. ومن أهم مراحل تطور النظام المشاعي البدائي:
ـ المجتمع ما قبل العشائري أو(القطيع البدائي).
ـ مرحلة المشاعية العشائرية وتنقسم إلى مرحلتين:
ـ المشاعية العشائرية الأمومية.
ـ المشاعية العشائرية الأبوية.
ـ المشاعية الزراعية، وفيها بدأ الإنسان مرحلة الاستقرار على ضفاف الأنهار وزراعة الأرض وتربية الماشية.
نظام الرق أو العبودية: يعد نظام الرق Slavery أو العبودية، الذي حلَّ محلَّ النظام المشاعي البدائي، أول نظام في التاريخ يقوم على استغلال الإنسان لأخيه الإنسان، وعلى التناحر الطبقي. وكانت العبودية في أولى مراحلها تسمى «العبودية الأبوية» أو العبودية البيتية، وكان عدد الأرقاء قليلاً، وكان السيد مالك الرقيق يشتغل في الأرض مع أرقائه، ولم يقتصر العمل في هذه المرحلة على الرقيق وحدهم كما حدث في المرحلة اللاحقة.
استهل أسلوب الإنتاج في نظام الرق تاريخه حين صار استغلال الرقيق هو السائد في عملية الإنتاج، وحين انقسم المجتمع إلى طبقتين متناحرتين: المُسْتَغِلِّيْنَ «الأسياد» والمُسْتَغَلِّين «الرقيق». ويضمُّ مجتمع الرق إلى هاتين الطبقتين فئة الأحرار كالحِرفيين والفلاحين الصغار والتجار والمرابين. وتكَوَّن في ظل هذا النظام المجتمع الطبقي، وأضحت السيطرة السياسية مقصورة على طبقة الأسياد في المجتمع.
وظهر التناقض بين العمل الجسدي والعمل الذهني، فالعمل الجسدي، تخصص له الأرقاء للإنتاج المادي، في حين كان العمل الذهني من نصيب الأسياد الذين اختصوا بالإدارة الحكومية والسياسة والفلسفة والشعر والأدب والفن. إن التفرغ للقيام بهذه الأعمال كان له أثر إيجابي في تطور المعارف والعلوم الإنسانية وتقدم المجتمع البشري.
وظهر في ظل نظام الرق تبادل البضائع الذي تحوّل تحولاً متدرجاً إلى تجارة منظمة، ونشأت الأسواق التي تجاوزت حدود الدولة الواحدة، وظهر ما يسمى بالتجارة الخارجية. وقد أدى تزايد كميات الإنتاج من السلع المخصصة  للسوق وتوسيع التبادل التجاري إلى تزايد التفاوت في الملكية والثروة على حساب عمل الرقيق، وظل الاقتصاد الطبيعي سائداً إلى حد ما، وظهر إلى جانبه الاقتصاد التبادلي (إنتاج ـ تبادل ـ توزيع ـ استهلاك). وظلت الأرض وسيلة الإنتاج الرئيسة. واعتمد النشاط الاقتصادي على الزراعة وتربية الماشية مع ظهور الإنتاج الحرفي. ومع تطور التجارة المنظمة ظهرت النقود التي بدأت تحتل مكانة مهمة في اقتصاديات مجتمع الرق.
النظام الإقطاعي: [ر. الإقطاعية] حلت الإقطاعية محل نظام الرق. ويقوم النظام الإقطاعي على ملكية طبقة الإقطاعيين لوسائل الإنتاج «الأرض» واستغلال الفلاحين. وظلت الأرض وسيلة الإنتاج الرئيسة. وكانت الملكية الإقطاعية على منطقة معينة، تشمل المدن والقرى وما فيها ومَنْ فيها من أقنان. ولم تكن هذه الملكية مجرد شكل حقوقي، وإنما كانت علاقة اقتصادية مضمونها استغلال الإقطاعيين للأرض والسكان المحرومين مما يضمن بقاءَهم. وقد كان هذا الشكل للملكية يحدد وضع الناس في عملية الإنتاج الاجتماعي ويحدد البنية الطبقية للمجتمع الإقطاعي كما يحدد طريقة توزيع المنتجات. إلى جانب ذلك وجدت في النظام الإقطاعي أنواع أخرى للملكية ولكنها محدودة جداً مثل ملكية الفلاحين الصغار والحرفيين لاستثماراتهم الخاصة.
وفي مرحلة تكوُّن النظام الإقطاعي بدأت تتحدد السمات الرئيسة لأسلوب الإنتاج الإقطاعي، وخاصة ظهور الملكية العقارية الإقطاعية، وظهور أنواع من الريع العقاري الإقطاعي بوصفه نوعاً اقتصادياً مميزاً لعلاقات الإنتاج في هذا النظام.
وكانت تبعية الفلاحين الأحرار للإقطاعيين تتم بأساليب مختلفة على اختلاف في درجتها. وبدأت التناقضات بين الإقطاعيين والفلاحين تتوضح أكثر فأكثر. وكان عمل الفلاحين الأساس في قيام المجتمع الإقطاعي واستمراره، كانوا ينتجون تلبية للحاجات الضرورية لأنفسهم، وللسيد الإقطاعي وحاشيته، ولجهاز الدولة.
ومع تطور أسلوب الإنتاج الإقطاعي تحوَّلَ، على نحو متدرج، من نظام الريع بالسخرة إلى نظام الريع العيني، ثم إلى الريع النقدي. وكان الإقطاعي وفقاً لنظام السخرة يستولي على العمل بشكله الطبيعي لذلك لم يُعْنَ الفلاح بالعمل أو بنتائجه. ومع ظهور الريع بنوعيه العيني والنقدي، صار الإقطاعي يحصل على نتيجة العمل ممثلاً بقسم من المُنْتَج وهو المُنْتَج الفائض. وصار الفلاح أكثر اهتماماً بنتائج العمل. وحققت القوى المنتجة في النظام الإقطاعي مستوى تطور عالياً مقارنة مع مستواها في نظام الرق.
ومن تزايد العلاقات البضاعية النقدية ونموها، أخذ النقد شيئاً فشيئاً يسهم إسهاماً فعالاً بوصفه مقياساً للقيمة، كما اتسعت علاقات التبادل والعلاقات السلعية ـ النقدية من التطور في أدوات العمل ووسائله وتقسيم العمل الاجتماعي.
النظام الرأسمالي: الإنتاج في هذا النظام من أجْلِ التبادل، وتحقيق الربح. وتعود ملكية وسائل الإنتاج فيه إلى فئة قليلة من المجتمع هم الرأسماليون، أما باقي أعضاء المجتمع وهم الأكثرية، فلا تملك سوى قوة عملها وأفرادها يشتغلون عمالاً أجراء يُشَغِّلون وسائل الإنتاج التي يملكها الرأسماليون. ويمتاز هذا النظام بحرية النشاط الاقتصادي.
تُخصص الموارد الاقتصادية في النظام الرأسمالي عن طريق آلية السوق، وتُتَخذُ القرارات الاقتصادية في إطار من اللامركزية. ولا تتدخل الدولة في النشاط الاقتصادي، الذي تقوم به المؤسسات والأفراد، تدخلاً مباشراً.
كما يفترض النظام الرأسمالي أن الوحدات الاقتصادية تسعى دائماً لزيادة كمية الربح للمنتج وزيادة المنفعة للمستهلك. فالفرد هنا يقوم بوظيفة مزدوجة في النظام الاقتصادي مرة بصفته منتجاً ومرة بصفته مستهلكاً، ولكنه دائماً مدفوع بالدافع الاقتصادي أي تحقيق مصلحته الشخصية. ويقوم النظام الاقتصادي الرأسمالي على آلية السوق التي لا يمكن أن تؤدي وظائفها بكفاية إلا إذا اتصفت بالحرية والمنافسة التامة وعدم تدخل الحكومة، عندئذ لا يكون في مقدور أي من المنتجين أو المستهلكين بصفته المنفردة التأثير في الأسعار السائدة في السوق. ومن أهم عيوب النظام الاقتصادي الرأسمالي أنه يسمح بتفاوت كبير في الدخل والثروة، بل تقود آلية السوق إلى مزيد من تركز الثروة. وتحت ضغط التطورات التقنية الحديثة وتركز الثروة تؤدي آلية السوق إلى انحسار المنافسة وانتشار الاحتكار. كذلك يتسم النظام الاقتصادي الرأسمالي بالتقلبات الدورية في النشاط الاقتصادي وحدوث الأزمات الاقتصادية[ر] المترافقة بظاهرتي التضخم[ر] والبطالة[ر]. ولا يحقق النظام الاقتصادي الرأسمالي عادة المستوى الأمثل للادخار كما أنه يعاني صعوبات كثيرة في توجيه الادخار نحو الاستثمار المنتج. وهو يركز على السلع والخدمات الخاصة من دون العامة لأنها أكثر ربحاً وأسرع من حيث المردود.
إن قيام التوازن العفوي في الحياة الاقتصادية في ظل النظام الرأسمالي يتطلب احترام مبدأ المنافسة الحرة؛ فآلية السوق قادرة على تحقيق هذا التوازن بتفاعل عوامل العرض والطلب في السوق.
ويوضح آدم سميث آلية حدوث التوازن العفوي على أساس التفريق بين نوعين من الأسعار: السعر الطبيعي (وهو مساوٍ لكلفة إنتاج البضاعة أو مساوٍ لقيمة البضاعة)، والسعر الجاري(وهو السعر الذي يتكون بفعل العرض والطلب في السوق). ويظل السعر الجاري يحوم حول السعر الطبيعي ويقترب منه ليساويه في أغلب الأحيان عن طريق التوازن العفوي الذي يجري في السوق بين العرض والطلب، وإذا كان هناك أي اختلال فإنه زائل لا محالة لتعود حالة التوازن من دون شك في ذلك. إن هذا التوازن العفوي لا يخلخله إلا عدم تطبيق مبدأ المنافسةالحرة.
النظام الاقتصادي الاشتراكي: وفيه تعود ملكية وسائل الإنتاج للمجتمع بكامله (الملكية الجماعية لوسائل الإنتاج)، والهدف الرئيسي من النشاط الاقتصادي هو السعي من أجل تلبية حاجات المواطنين المتنامية. ويترتب على ذلك انعدام التفاوت الكبير في الدخول والثروة بين الأفراد، إذ إن التفاوت الاقتصادي في النظام الاشتراكي يرتبط بتفاوت كمية العمل ونوعيته. وليس بنظام الملكية والإرث.
يعتمد النظام الاقتصادي الاشتراكي على أسلوب التخطيط المركزي والشامل في الإدارة الاقتصادية، تُرسَمُ أهداف طموحة ويُسعى لتحقيقها عن طريق حصر الموارد المتاحة وتوجيهها توجيهاً واعياً وكفياً. ويتصف التخطيط في الاشتراكية بالشمول والمركزية والإلزامية. ويتصف النظام الاقتصادي الاشتراكي بهيمنة الدولة على الاقتصاد ويكون لها الإسهام الرئيسي في عمليات الإنتاج والتوزيع بسيطرتها على وسائل الإنتاج (الملكية العامة). ويستهدف النشاط الاقتصادي عادة السعي إلى تحقيق الأهداف التي تتبناها الدولة.
إن السمة الجوهرية لتطور القوى المنتجة وعلاقات الإنتاج في النظام الاشتراكي تكمن في التنظيم المنهجي المخطط للاقتصاد الاشتراكي. ويقوم الإنتاج الاشتراكي على أساس تقسيم اجتماعي متطور للعمل، ويؤدي ذلك إلى سيادة علاقات متينة بين مختلف فروع الاقتصاد الوطني، تفترض وجود تناسب كمي صحيح بين هذه الفروع. ولتحديد هذا التناسب يجب أن يحدد مسبقاً حجم الإنتاج الاجتماعي وحجم الإنتاج في مختلف الفروع ومن كل نوع من أنواع المنتجات وفقاً لحاجات الأفراد ومتطلبات المجتمع. وبذلك يستطيع المجتمع أن يخطط ويحدد، تبعاً للموارد المادية والبشرية التي يملكها، كميات الإنتاج من مختلف أنواع المنتجات (وسائل الإنتاج أو المواد الاستهلاكية) مع المحافظة على التناسب الضروري بين فروع الإنتاج. هذه النسب تسمح بالتطور المنهجي المخطط والمستمر والمتزايد لكل فرع من فروع الإنتاج، وللإنتاج الاجتماعي بمجمله. وبسبب توقف آلية السوق عن العمل في النظام الاشتراكي تغدو عملية تطور الإنتاج بأسلوب منهجي مخطط ضرورة موضوعية في أحوال الاشتراكية.
ومن أهم عيوب النظام الاقتصادي الاشتراكي:
ـ إهمال الحوافز المادية، إذ من غير المتوقع أن يبذل الفرد الأجير عند الدولة قصارى جهده من أجل زيادة الإنتاج وتخفيض التكاليف إذا لم يُفعَّل قانون التوزيع بحسب كمية العمل ونوعيته.
ـ إن مبدأ المركزية يضفي على العملية التخطيطية درجة عالية من عدم المرونة والبيروقراطية. وهذا يؤدي إلى تدني مستويات الإنتاجية.
ـ تؤدي مركزية التخطيط إلى عدم قدرة الاقتصاد على مواجهة التغيرات الطارئة في الحياة الاقتصادية ولاسيما تلك التي يصعب التنبؤ بها مواجهة سريعة وفاعلة.
وهذا يوضح أنَّ بنى النظام الاقتصادي الكلي ليست بنى متجاورة أو مضافاً بعضها إلى بعض إضافة عفوية وبسيطة، بل إنها تؤلف ترابطاً عضوياً وتجمعاً متوافقاً (يعبر عن علاقات مستقرة). وهذا يعني تطور مفهوم النظام الاقتصادي ليوضح العلاقات الداخلية في المجتمعات الإنسانية.
ويكون للبنى التي يتكون منها النظام الاقتصادي طابع عام وعلى عدة مستويات. لهذا فإن النظام يستلزم بنية قانونية وسياسية وبنية معنوية وهذه البنى تستلزمُ أيضاً ضرورة إظهار الجانب المسيطر في المستوى المطلوب معرفته. فإذا كانت التقنية هي المسيطرة تسيطر الآلة داخل النظام، أما إذا كانت البنية الفوقية هي المسيطرة فيظهر السعي لتحقيق الربح في النظام الرأسمالي قانوناً أساسياً، بينما يكون إشباع الحاجات القانون الأساسي في النظام الاشتراكي.
إن السمتين الرئيسيتين للنظام الاقتصادي هما ضرورة توافقه ودوامه النسبي، وتنتج هاتان السمتان من الميزتين الرئيسيتين لمكونات النظام، وهما مرونة البنى ومقدرتها على التوافق. ولأن البنى الفوقية والبنى التحتية مرنة ومتغيرة يمكن للنظام الاقتصادي أن يتطور فعلاً ويتحول. ولكن التحول يحدث على نحو لا تستطيع معه البنى التوافق فيما بينها، وهذا يؤدي إلى الانتقال من نظام اقتصادي إلى نظام اقتصادي آخر.
تظل الأنظمة الاقتصادية دائماً في حركة تطور، والعوامل المسؤولة عن هذا التطور تنقسم إلى عوامل ذاتية ترتبط ارتباطاً عضوياً بالمتغيرات الاقتصادية كازدياد الإنتاجية وتطور مستوى وسائل الإنتاج التقني، وعوامل خارجية لا تتصل اتصالاً مباشراً بالظواهر الاقتصادية كالاكتشافات الجغرافية والعلمية والحروب والنزاعات السياسية بين الأنظمة المعاصرة.
النظام الاقتصادي والتنظيم الاقتصادي
لابد من التفريق بين مفهوم النظام الاقتصادي ومفهوم التنظيم الاقتصادي بتعريف كل منهما: فالنظام الاقتصادي كما سلف القول هو مجموعة العلاقات والمؤسسات التي تميز الحياة الاقتصادية لمجتمع معين في الزمان والمكان، أما التنظيم الاقتصادي فهو وسيلة يستخدمها النظام الاقتصادي لتنظيم النشاط الاقتصادي والفعاليات الاقتصادية المختلفة. وتختلف طبيعة التنظيم الاقتصادي من نظام اقتصادي إلى آخر، ويمكن على سبيل المثال ذكر نوعين من التنظيمات الاقتصادية:
ـ التنظيم الاقتصادي الحر، وهو وسيلة النظام الاقتصادي الرأسمالي في تنظيم فعاليات النشاط الاقتصادي التي تقوم على حرية النشاط الاقتصادي. ويتصف هذا التنظيم باللامركزية والعفوية، ومن أهم خصائصه أنه اقتصاد يقوم التوازن فيه على آلية السوق، ويعتمد على المشروع الخاص، ولا تتدخل الدولة في النشاط الاقتصادي إلا تدخلاً غير مباشر.
ـ التنظيم الاقتصادي الموجّه، الذي يعتمد عليه النظام الاقتصادي الاشتراكي لتحقيق أهدافه الاقتصادية، حيث يحققالتخطيط الإلزامي والمركزي الشامل التوازن في النظام الاقتصادي وفعالياته. ومن أهم خصائص هذا التنظيم: وجود خطة مركزية شاملة تتصف بالإلزامية تُوجه مجمل الأنشطة والفعاليات الاقتصادية لتحقيق أهداف النظام الاقتصادي الاشتراكي. وتفقد آلية السوق فاعليتها في هذا التنظيم الاقتصادي لتحل محلها الخطة، وتتدخل الدولة في النشاط الاقتصادي عن طريق ملكيتها لوسائل الإنتاج (الملكية العامة). ويصبح المشروع هنا وحدة اقتصادية في جسم اقتصادي متناسق، فالمشروع وحدة اقتصادية منفصلة من الناحية القانونية فقط.
الأنظمة الاقتصادية المعاصرة
انقسم العالم في القرن العشرين إلى دول وشعوب حرة وشعوب مستعمرة. وتراجع النظام الاستعماري بسبب نمو حركات التحرر الوطني، وحصلت شعوب كثيرة على استقلالها في آسيا وأمريكة اللاتينية وإفريقية. ومع ذلك مازال عالمنا المعاصر يشهد انقساماً من نوع آخر بين دول العالم، فثمة دول غنية متقدمة صناعياً (دول الشمال) ودول متخلفة فقيرة هي شعوب العالم الثالث (دول الجنوب).
 وشهد العالم المعاصر عدداً من الأنظمة الاقتصادية أهمها:
ـ النظام الاقتصادي الرأسمالي.
ـ النظام الاقتصادي الاشتراكي.
ـ النظام الاقتصادي المختلط، الذي يحاول التوفيق بين النظامين الرأسمالي والاشتراكي وتجنب عيوبهما البارزة والتركيز على جوانبهما الإيجابية.
لذلك عمد الكثير من الدول النامية إلى التدخل في قطاعات النشاط الاقتصادي ومصادر الطاقة عن طريق التخطيطالاقتصادي بهدف تحقيق التنمية والقضاء على التخلف. وتقوم الدولة بوظيفة مهمة في النظام الاقتصادي المختلط، فهي تؤثر في مختلف جوانب النشاط الاقتصادي بوساطة السياسات المالية والنقدية والتجارية والتنموية التي تمارسها. وقد تقوم الدولة ذاتها بالنشاط الاقتصادي في حدود معينة إذا ما استدعت المصلحة العامة ذلك. وترغب الدول النامية في استخدام السياسات الاقتصادية العامة في توجيه النشاط الاقتصادي وإدارته بهدف تحقيق العدالة الاجتماعية وتشجيع المبادرة الفردية واحترام حق الملكية وتعاون القطاعات المختلفة لتسهم جميعها في عملية التنمية الشاملة.
ومن الممكن القول: إن أغلب الأنظمة الاقتصادية المعاصرة هي نظم اقتصادية مختلطة. وظهرت الأنظمة الاقتصادية المتنافسة وأصبحت دراسة الأنظمة الاقتصادية المقارنة أسلوباً يستخدمه علم الاقتصاد أكثر من كونها جزءاً منفصلاً عنه، وهذا متفق مع ما كان سائداً من قبل.
إن دراسة الأنظمة الاقتصادية المقارنة هي استعمال أساليب التحليل المقارن، ومن الممكن تطبيق هذه الأساليب على دراسة موضوعات في أي حقل فرعي من حقول الاقتصاد (مثل أنظمة الضرائب واتحادات العمال في الدول المختلفة) ودراسة الاقتصاد في مجمله (مثل النظريات الاشتراكية، أو المنجزات الإجمالية لاقتصاديات قومية منتقاة).
النظام الاقتصادي العالمي
يتميز عالمنا المعاصر باتساع الطابع الدولي في الحياة الاقتصادية وهو ما يسمى «عولمة الاقتصاد»، وصار للمشكلات الاقتصادية الدولية أثر كبير في جوانب الحياة الاقتصادية ضمن الدولة الواحدة حتى في حياة الفرد الاقتصادية ونشاطه. وفي سياق هذا التطور العالمي ظهر مفهوم جديد يدعى النظام الاقتصادي العالمي. وهو يمثل العلاقات الاقتصادية التي تقوم بين الشعوب أو العلاقات الاقتصادية بين الدول بصفتها كيانات سياسية مستقلة والملاحظ أن العلاقات الاقتصادية العالمية قد تزايدت وتشابكت بقدر كبير في عالمنا المعاصر؛ ولاسيما بعد توقيع اتفاقيات الغات[ر]  GATT، وظهور منظمة التجارةالعالمية[ر]. ويتصف النظام الاقتصادي العالمي في مرحلته الراهنة بالاستغلال لأنه يساعد على تركيز السيطرة والقوة الاقتصادية في أيدي عدد قليل من الدول الغنية المتقدمة، وعدم التكافؤ في التبادل التجاري الدولي، كما أنه يضع قواعد للتجارة الخارجية والنظام النقدي العالمي تخدم مصالح الدول المتقدمة على حساب الدول النامية. وتجدر الإشارة إلى أن النظام الاقتصادي العالمي قد أخفق في حل المشكلات الأساسية التي تعانيها الدول النامية ولاسيما مشكلة الجوع والفقر والتخلف وعدم القدرة على التنافس مع الدول الغنية المتقدمة.

(الموسوعة العريبة)
مصطفى العبد لله

الائتمان

مشاركة



الائتمان
(الموسوعة العريبة)

الائتمان أو التسليف Credit في الاقتصاد الوضعي هو التنازل عن حق استعمال مبلغ من المال إلى شخص آخر على نحو مؤقت مقابل عائد متفق عليه واجب الرد مع أصل المال في موعد لاحق لشخص، أو هو أيضاً بيع سلعة أو خدمة من شخص آخر على أن يقوم بتسديد قيمتها في وقت لاحق وفي هذه الحالة يطلق على الائتمان تسمية التسهيلات الائتمانية.
ويتعلق الائتمان بوجود طرفين بينهما تعامل مشترك قائم على عقد يربط هذا التعامل مدة ما، والائتمان يتعلق بوجه عام بقروض مالية إذ تمنح جهة دائنة جهة مدينة مهلة زمنية تلتزم الجهة المدينة دفع قيمة الدين بانتهائها، كما يمكن أن يتعلق أيضاً بتزويد الجهة المدينة بمواد سلعية أو مستلزمات إنتاجية أو خدمات معينة أو سندات مالية مقابل وعد بتسديد قيمتها في مدة لاحقة.
فالاتفاق على تقديم سلع أو خدمات مقابل وعد بدفع قيمتها في المستقبل ينطوي على مدة زمنية تفصل بين وقت إنتاج تلك السلع ووقت استهلاكها النهائي، لذلك يمكن النظر إلى عملية الائتمان على أنها الحركة التي تصل بين هذين الزمنين. على أنه ليس كل حركة من هذا النوع ائتماناً، فقد تكون إعارة أو إعانة كما لو كان الطرف المتعهد ملزماً بإعادة القطع النقدية التي انتقلت إليه ذاتها (بأرقامها التسلسلية)، أو بإعادة السلع والبضائع عينها من دون تصرف بها.
إن العملية الواحدة لشراء سلعة ما توجب وجود طرفين أحدهما بائع والآخر مشتر، فهي إذاً عملية بيع أو عملية شراء وذلك تبعاً للطرف الذي يراد الكلام عليه، والعلاقة بين الدائن والمدين هي عملية ائتمان واحدة بين مقترض ومقرض، ولذلك فإن حجم الحساب الدائن هو دائماً مساوٍ لحجم الحساب المدين في العملية الواحدة.
وفي جميع حالات الائتمان ثمة مجازفة يقدم عليها المقرض حين يوافق على الإقراض، وهذه المجازفة تعود لأسباب عديدة منها احتمال مماطلة المقترض وقت السداد أو تلكؤه في الدفع أو استنكافه أو إعساره أو إفلاسه أو وفاته. وجميع هذه الحالات الممكنة قد تكبد المقرض جهوداً أو نفقات إضافية يبذلها لاسترداد أمواله. يضاف إلى ذلك أن المقرض قد لا يتمكن إطلاقاً من استرداد المبلغ كله أو بعضه، أو قد لا يسترد المبلغ في الموعد المحدد، الأمر الذي قد يؤخر له مصالح أخرى. وكذلك ثمة احتمال حدوث أمور طارئة وأوضاع غير عادية خارجة عن إرادة المقترض، كالحروب والاضطرابات السياسية والطوارئ الطبيعية والتبدلات الاقتصادية، كانخفاض القيمة الفعلية للحساب الدائن مِن تضخم نقدي أو تبدل مفاجئ في أسعار صرف العملات الأجنبية أو غير ذلك، كل هذا يثير في نفس المقرض الشعور بأنه يقدم على مجازفة تستوجب التعويض. وقد تمثل هذا التعويض تاريخياً بتحميل الحساب المدين فائدة مئوية معينة يتفق عليها مقدماً بين الطرفين المعنيين.
وفي المؤلفات الاقتصادية نظريات متعددة عن طبيعة الفائدة. فبعض الاقتصاديين يراها بمنزلة عنصر تأمين أو تعويض عن المخاطر المحتملة، ويذهب آخرون إلى أنها كلفة جاهزية رأس المال، ويراها فريق ثالث مردود رأس المال المقرض. وتعدها مدرسة اقتصادية رابعة تعويضاً عن تأخير استعمال المال أو التمتع به، وترى أن المقرض يحرم نفسه طول مدة القرض من استثمار المبلغ أو التمتع به فتأتي الفائدة تعويضاً له عن ذلك، لأن المقترض يستعجل المنفعة المادية باقتراضه ويقوم باستثمار القرض والاستفادة منه أو التمتع به. إن النظريات السابقة كلها مجمعة على أن للائتمان كلفة تتمثل بالفائدة التي يدفعها المدين للدائن.
وفي الائتمان ما يسمى «وسيلة» الائتمان، وهي الوساطة التي تتم بها عملية الائتمان. ومن هذه الوسائل: الالتزامات الأدبية الشفهية، والحسابات المكشوفة، وكتب الاعتماد، والسندات، والاعتمادات والتسليف بأشكالها المختلفة، وما بات يعرف ببطاقات الشراء أو بطاقات الائتمان التي أصبح استعمالها رائجاً في المجتمعات الرأسمالية.
المنظور التاريخي
تجمع المراجع كلها على أن للائتمان أصولاً تاريخية قديمة جداً قد تعود إلى بدايات التنظيم الحضاري، وتتعزز هذه المقولة باطراد لتراكم شواهد الأبحاث الأنتروبولوجية المستمرة. فثمة دلائل على أن المجتمعات الغابرة عرفت الائتمان بصور بدائية منذ أقدم العصور، حتى حين كانت المبادلات التجارية تتم عن طريق المقايضة، أي قبل اللجوء إلى استعمال النقد وحدة تبادل. إلا أنه مع شيوع استعمال النقود في أزمنة لاحقة، بدأت عمليات الائتمان تأخذ صوراً أكثر تطوراً، ولاسيما مع ازدياد النشاط التجاري وتطوره وانتشار التجارة الخارجية فيما بين المجتمعات المختلفة.
وإذا كان استقراء تاريخ الإنسان الغابر يعتمد غالباً على منهج ربط الأمور منطقياً واللجوء إلى احتمالات ترجيح حدوث واقعة ما أو تطور مسألة معينة أو عدم ترجيحه، لضآلة القرائن وندرة الشواهد، فإن التاريخ المدون للحضارات اللاحقة قد أزال الكثير من اللبس والغموض عن معظم الظواهر الحضارية، ومنها المبادلات التجارية وطرق تمويلها.
ومع أن الكثير من الباحثين الغربيين اعتادوا الرجوع إلى الحضارتين اليونانية والرومانية عند التعرض لجذور التاريخ المدون للمراحل اللاحقة، وجنحوا إلى التوقف عندهما، فإنه لحري بنا سبر التطور الحضاري الأقدم الذي شهدته مناطق أخرى، ولاسيما سورية ومصر وبلاد ما بين النهرين. كذلك لابد من الإشارة إلى التطور التجاري الذي كان قائماً في شرقي الجزيرة العربية وجنوبيها، وفي الشرق الأقصى ولا سيما الصين. وإن الحفريات والأبحاث الأثرية المستمرة وما تكشفه من قرائن جديدة يزيد باطراد الأدلة التي تؤكد وجود تجارة منظمة ووسائل دفع متطورة في تلك المناطق، قياساً على معطيات تلك الأزمنة.
وهناك شواهد كثيرة عن التطور التجاري الذي كان قائماً قبل ازدهار حضارة اليونان. وثمة دلائل على أن البلاد السورية كانت تؤلف نقطة التقاطع الرئيسية لطرق التجارة العالمية آنذاك. ومن الثابت أن النقد والائتمان هما وليدا النشاط التجاري. ويكتفى هنا بالإشارة إلى أن قسماً كبيراً من شرائع حمورابي كان يتعلق، بوجه أو بآخر، بأمور الإنتاج والملكية والتجارة.
كذلك فقد تطرقت تلك الشرائع إلى مسألة الائتمان وأفردت لها بنوداً خاصة وفرضت عقوبات على من لا يلتزم الوفاء بديونه، مما يثبت أن أمور الائتمان كانت على قدر من التنظيم في القرن الثامن عشر قبل الميلاد، أو ربما قبل ذلك، فقد مارس الفينيقيون التجارة منذ أكثر من ثلاثة آلاف عام قبل الميلاد.
ولما كان الباحثون الغربيون هم الذين كتبوا معظم التاريخ الاقتصادي، ولما كانت الثورة الصناعية التي كانت بمنزلة المنعطف الرئيسي للعلاقات الاقتصادية وللفكر الاقتصادي الحديث قد انطلقت من أوربة، غالى أكثر هؤلاء الباحثين حين توقفوا عند الحضارة اليونانية ولم يلتفتوا إلى التطور قبلها.
واضح أن للعلاقات الائتمانية تاريخاً قديماً جداً، إلا أن التوسع التجاري في العصور الوسطى قد انعكس على الائتمان شكلاً ونظاماً وأعرافاً. وعلى محاربة الكنيسة له، فقد نشأت في أوربة طبقة من تجار المال أو المرابين، وأكثرهم من اليهود، ونمت بنموّ الكشوفات الجغرافية وتدفق المعادن الثمينة إلى القارة الأوربية. وقد تجاوز المتعاملون بالربا القوانين الكنسية أو تحايلوا عليها وامتهنوا التعامل المالي. وقد اشتهر من هؤلاء عدد كبير وخاصة في إيطالية. وكان تدفق الذهب والفضة إلى أوربة قد نشّط مهنة الصياغة، وفتح أمام الصاغة المجال واسعاً في المعاملات المالية. فقد انصرف أكثرهم إلى ممارسة الصيرفة والمراباة، ثم تطورت أعمالهم فأصبحوا يتعاملون بالسفاتج وبالسندات، ويصدرون الكفالات ويجرون معاملات الرهن، كما قام بعضهم بتمويل التجارة الخارجية وأساطيلها، ومن نشاطات هذه الطبقة انبثقت المصارف فيما بعد. فشهدت أوربة قيام مصارف الإيداع في القرن السادس عشر الميلادي، وأصبح تداول السندات وحسمها شائعاً في القرن السابع عشر. وبحلول الثورة الصناعية انفتحت أمام المتمولين آفاق كبيرة لزيادة نشاطاتهم وتوسيعها، فقد تطلبت الاختراعات والتبدلات التقنية أموالاً لم تكن بحوزة الصناعيين دائماً، وتطلبت إقامة المصانع الجديدة بتجهيزات حديثة ووسائل عمل غير تقليدية رؤوس أموال تجاوزت بحجومها قدرات الفرد حتى الجماعة أحياناً، الأمر الذي دفع طبقة الصناعيين الجدد إلى الاقتراض من المصارف مما ساعد في تطور العمل المصرفي وفي اتساع الأسواق المالية لتواجه المتطلبات الجديدة. وحلت المؤسسات المصرفية المختلفة، ولاسيما المصارف التجارية، محل طبقة المرابين. ثم تسارع التطور التقني والاقتصادي فانعكس تأثيرهما على آلية عمل المؤسسات المالية والاقتصادية، وازداد دور المصارف تطوراً. وكانت القفزة الكبيرة بمجيء التقنيات الإلكترونية، فانفتحت الأسواق المالية بعضها على بعض بوساطة تقنية الاتصالات الفورية، وأصبح الائتمان كما يمارس اليوم. فمستجدات التقنية المعاصرة، كأجهزة الاتصال والمواصلات أو مبتكرات التعامل السريع مع الأرقام والمعلومات، باتت تسمح للفرد أن يتعامل، إذا أراد، مع أسواق العالم كلها بسرعة فائقة متخطياً الحواجز والحدود المحلية.
الائتمان عند العرب
من الثابت أن العرب عرفوا الائتمان ومارسوه في الجاهلية في مختلف أصقاع الجزيرة العربية وكانت المعاملات الربوية شائعة بين اليهود، كما كانت شائعة بين أثرياء قريش وسواها، فمن الثابت أن الرسولe في خطبته الشهيرة قال: «وأن كل ربا موضوع، ولكن لكم رؤوس أموالكم لا تظْلمون قضى الله أنه لا ربا، وأن ربا عباس بن عبد المطلب موضوع كله..». وإضافة إلى طرق القوافل البرية المعروفة التي وصلت ما بين الجزيرة العربية وبلاد الروم والفرس، كانت هناك طرق تجارة بحرية تصل الجزيرة العربية بإفريقية وبالشرق الأقصى. وقد دلت الحفريات الأثرية على وجود مواقع في الخليج العربي، وخاصة في جنوبيه، كانت مراكز للتجارة البحرية مع بلاد الهند والصين. ولو لم تكن التجارة ناشطة في الجزيرة العربية والائتمان قائماً والربا منتشراً، ما أفرد الإسلام نصوصاً خاصة لتحريم الربا.
وكانت كتب المسيحية واليهودية قبل الإسلام قد تعرضت لمسألة الائتمان وللفائدة والربا، فقد ورد في العهد القديم ما يمنع اليهودي من قبض أي فائدة حين يقرض أحد أبناء دينه، أما حين يتعامل مع بقية الناس فلا حرج عليه في ذلك. أما المسيحية قد نهت عن التعامل بالربا نهياً تاماً، بيد أن ثمة تفريقاً بين الفائدة المتدنية اليسيرة التي تفرضها الضرورات والربا الفاحش الذي يلحق ظلماً بالمحتاج. وقد شغل هذا التفريق بين الفائدة Interest والربا Usury الكثير من اللاهوتيين منذ ظهور الديانة المسيحية حتى اليوم.
ومن أشهر من تصدى لهذا الموضوع القديسون باسيل St.Basile ودونيس St.Denysse وأغسطين St.Augustin في القرن الرابع الميلادي، وتوما الإكويني St.Aquinous في القرن الثالث عشر الميلادي. كما تصدى له كالفن Calvin في القرن السادس عشر.
حرم الإسلام الربا تحريماً تاماً وردَّ على من ساوى بينه وبين البيع في الآية الشريفة: ).. قَالُوا إنّما البَيْعُ مِثلُ الرِّبَا وأحَلَّ الُله البَيْعَ وَحَرَّمَ الرِّبَا( (سورة البقرة 274). وفي القرآن الكريم آيات أخرى، تناولت مسألة تحريم الربا.
وفي السنة الشريفة أحاديث نبوية كثيرة ذمَّت الربا، منها ما رواه جابر بن عبد الله رضي الله عنهما قال: «لعن رسول اللهe آكل الربا، وموكله، وكاتبه، وشاهديه، وقال: هم سواء» ومثله عن علي وابن عباس وابن مسعود رضي الله عنهم. أخرجها أحمد ومسلم وأصحاب السنن. ومن الجدير بالذكر أن الربا المحرم في الإسلام غير محصور فقط بالزيادة على أصل المال السائل من غير عمل، أو نتيجة للمعاملات النقدية، بل إن الربا أوسع من ذلك بكثير، فالتعامل الربوي قد يشمل أيضاً بعض أنماط التعامل بالأرزاق والسلع الضرورية للمعيشة والأموال الربوية (وهي المطعونات أو التي تقبل الاقتيات والادخار أو كل قليل وموزون بحسب اختلاف الفقهاء) فقد ورد في صحيح مسلم من حديث أبي سعيد الخدري قول رسول اللهe «الذهب بالذهب، والفضة بالفضة، والبُرّ بالبر، والشعير بالشعير، والتمر بالتمر، والملح بالملح، مثلاً بمثل، يداً بيد، فمن زاد أو استزاد فقد أربى، الآخذ والمعطي فيه سواء».
غير أن عمليات الائتمان التي تجري اليوم في معظم البلدان العربية والإسلامية، إلا حالات معينة، تتم على نحو مشابه لما يجري في العالم الرأسمالي. في وقت تنشط فيه المحاولات المخلصة للتوفيق بين التراث والشرع ومتطلبات العصر.
وسائل الائتمان
هي الأدوات التي تجري بوساطتها عمليات الائتمان. وتبين التفاصيل المتعلقة بعقود الائتمان وشروطه، فهي توضح اسم المدين وقيمة الدين وشروط الدفع، وتجدد التاريخ والمكان والفائدة، ويحتفظ بها الدائن لحين استرجاع ماله، ويحق له غالباً التخلي للآخر عن الحقوق المتعلقة بها. وينظم التعامل بهذه «الأدوات» الأعراف التجارية المعمول بها والعادات الاجتماعية الغالبة والأنظمة والقوانين النافذة. وإن الوظيفة الأساسية لهذه الأدوات هي توفير السبل النظامية التي تتم عن طريقها عملية الائتمان، ومن ثم خدمة المصلحة المتقابلة أو المتعاكسة للطرفين المتعاقدين. ولأن هذه الأدوات هي وسيلة لتحويل حقوق التحكم بالمال وانتقالها، فإنها تعد ملحقاً متمماً للنقد. ومن هذه الوسائل:
1ـ الالتزام الأدبي: وأقدم وسيلة من وسائل الائتمان، هي الالتزام الأدبيّ الشفهي. إلا أن هذه الطريقة لها محاذيرها حتى حين تكون الثقة تامة بين الطرفين. وإذا سُجل عقد المشافهة في السجلات الحسابية لأحد الطرفين اتخذ صورة الحساب المكشوف بمعنى الحساب الجاري.
2ـ الحسابات الجارية: وهي طريقة التعامل الرئيسية في المعاملات التجارية في جميع أنحاء العالم، فالحساب الجاري يتعلق بعقد بين طرفين يقوم بموجبه كل طرف بتسجيل كل ما يتسلمه من أموال من الطرف الآخر لمصلحة ذلك الطرف ديناً على نفسه، ولا يكون لأي طرف من الطرفين الحق بمطالبة الطرف الآخر... بتسديد كل دفعة على حدة، بل يجري الحساب بينهما على الرصيد النهائي عند تصفية الحساب في نهاية المدة المتفق عليها أصلاً، إذ يقوم حينذاك الطرف الذي يظهر أن مجمل حسابه مدين بتسديد الاستحقاق للطرف الآخر.
ويمكن أن يشمل اتفاق الحساب الجاري إلزام الجهة المدينة دفع فائدة على الحساب المدين في حالات معينة، كما يمكن إلزامها بدفع مصاريف إضافية محددة.
وتقوم المصارف إضافة إلى القطاعات التجارية بفتح حسابات جارية للأشخاص الطبيعيين والمعنويين وفق نظام عملها. فيصبح للشخص صاحب العلاقة الحق بالسحب والإيداع في الحساب الجاري، في حين يقوم المصرف بمسك القيود الدائنة والمدينة اللازمة للحساب، وبإجراء تصفية دورية له، يضاف بها إلى رصيده الفائدة المصرفية المعمول بها.
3ـ الاعتمادات: يتعلق الاعتماد بعقد بين طرفين، أولهما فاتح الاعتماد، والثاني معتمد له، يقوم الأول بوضع مبلغ محدد لمدة محددة تحت تصرف الآخر الذي يقوم بسحبه بحسب حاجته أو على دفعات متفق على حجومها ومواعيد سحبها في متن العقد المذكور، وغالباً ما يقترن الاعتماد بضمانات مادية أو معنوية يوفرها المعتمد له، كما يلتزم عادة دفع المصاريف المتعلقة بالاعتماد والفائدة المصرفية المستحقة على المبلغ. ويكون لفاتح الاعتماد عادة الحق بإغلاق الاعتماد إذا أخل الطرف الثاني بأي شرط من الشروط المتفق عليها سابقاً. وكما تمارس المصارف عمليات للحسابات الجارية، تمارس أيضاً عمليات فتح الاعتمادات.
ثم إن المصارف التي تتلقى على سبيل الوديعة مبلغاً من المال من شخص طبيعي أو معنوي وتوافق على فتح حساب ودائع أموال له بمقتضى شروط عملها يصبح لها الحق بالتصرف بهذا المال، مادامت على استعداد لدفع قيمة الشيكات المصدرة من قبل صاحب الحساب في حدود وجود مقابل الوفاء اللازم في رصيد حسابه. كذلك تتصرف المصارف بالأموال المودعة في حسابات الادخار، والودائع المجمدة لأجل، إبان مدة التجميد وتعيدها إلى أصحابها عند انتهاء التجميد مضافاً إليها فوائد الادخار.
والمصارف التي تقوم بتدوير المال الموجود لديها، سواء أكان مصدره ودائع أم ادخارات أم رأسمال عاملاً أم أرباحاً أم قروضاً، تجري ذلك بتسليفه للفعاليات الاقتصادية المختلفة، وذلك وفق اختصاص عملها.
4ـ السندات: وللسندات أنواع متعددة إلا أنها بوجه عام سندات تجارية أو سندات عامة. وأنواع السندات التجارية كثيرة فهناك سندات السحب أو السفتجة والسندات لأمر، وهي متنوعة ويصدرها القطاع التجاري والمؤسسات المالية والمصارف. أمّا السندات العامة: فهي التي تصدرها الدولة، مثل السندات الصادرة عن الهيئات المحلية والمؤسسات الرسمية وسندات الحكومة لتمويل مشروعات التنمية وسندات الخزانة. ثم إن السندات تختلف أيضاً بحسب آمادها الزمنية، فهناك السندات ذات الآماد القصيرة، أي بضعة أشهر إلى السنة، والسندات ذات الآماد المتوسطة، من خمس سنوات إلى عشر، والسندات ذات الآماد الطويلة، أكثر من عشر سنوات. كذلك عرفت الأسواق المالية سندات عامة مفتوحة الأجل، لا تُستهلَك أبداً بل يبقى حاملها مستفيداً من دفعات سنوية دائمة.
والسندات عادة قابلة للتداول، ويمكن لصاحب السند أن يتخلى عنه لجهة ثالثة، على أن القيمة السوقية للسند عند البيع قد تكون أكثر أو أقل من قيمته الاسمية، وذلك كي يتساوى ريع السند، أي الفائدة الاسمية التي يحملها، مع الفائدة المصرفية المعمول بها في تاريخ التخلي. إلا أنه عند احتساب القيمة السوقية للسند تحسم الفوائد التي كانت قد ترتبت على أصل المبلغ في المدة المنقضية. وبوجه عام، فإن القيمة السوقية للسندات ترتفع عادة عند انخفاض الفائدة المصرفية وتنخفض عند ارتفاعها وذلك يعتمد على المدة الزمنية للسند. وعند إجراء عملية الحسم تنتقل الحقوق المالية المترتبة على السند إلى الجهة الثالثة الجديدة التي يمكنها أن تتخلى عنه تباعاً إلى طرف آخر.
5ـ بطاقات الائتمان: وهي وسيلة جديدة نسبياً تستعمل من قبل حاملها بدلاً من النقود عند الدفع، وقد أصبحت رائجة عالمياً، ولاسيما في الغرب، تصدرها المؤسسات المالية والمخازن الاستهلاكية الكبرى وشركات السفر والمؤسسات الخدمية ومرافق أخرى لزبائنها، وتكون مرتبطة بحساب جارٍ تجري تصفيته دورياً. وهذه الوسيلة مفيدة للجهة التي تصدرها، لأنها تحصر تعامل الزبون بها من دون منافسيها من جهة، وتجني من ورائها أجوراً وعمولات معينة وأحياناً فوائد مالية من جهة أخرى، وهي في الوقت نفسه ذات منافع متعددة للشخص الذي يحملها لما تحققه له من تسهيلات وأمان.
الدور الاقتصادي للائتمان
مع أن للائتمان أثراً مهماً في الحياة الاقتصادية لأي مجتمع من المجتمعات، فإن أهميته تختلف بين مجتمع وآخر تبعاً لاختلاف النظام الاقتصادي المطبق. وعلى العموم، فإن الأهمية الاقتصادية للائتمان في المجتمعات الرأسمالية هي أكبر بكثير مما هي عليه الحال في المجتمعات الاشتراكية.
1ـ الائتمان في البلدان الاشتراكية: كان الائتمان في البلدان الاشتراكية كغيره من البلدان، حيث تملك الدولة وسائل الإنتاج ويُعتمد على التخطيط الاقتصادي لتحقيق التوازن العام بين العرض الكلي والطلب الكلي للسلع والخدمات والمستلزمات المالية المطلوبة، ويعمل القطاع المصرفي شأنه شأن بقية القطاعات الاقتصادية وفق خطط سنوية مقررة ومترابطة مع الخطة الاقتصادية العامة للدولة، لذلك كان هناك خطة للائتمان، تناط بالمصارف المأذون لها تنفيذها، وشغل الائتمان القصير الأجل فيها ما يقارب 85% من مجمل الائتمان الداخلي. إلا أن التعاونيات والمؤسسات كانت المسؤولة عن تسلم المحاصيل والمنتجات، في حين كانت مؤسسات التجارة الخارجية مسؤولة عن التصدير، ومثيلاتها من المؤسسات تقوم أحياناً بإيجاد تسهيلات ائتمانية للمنتجين، كما قامت غالباً بدور الوسيط بين المصارف المأذون لها ومنشآت القطاع العام لتسهيل عمليات التمويل الموسمي والتمويل الضروري لمواجهة متطلبات الحالات الطارئة غير الملحوظ لها تمويل في الخطط. أما التسهيلات الائتمانية الأطول أمداً (3- 6 سنوات)، فإن المصارف كانت لا تمنحها إلا لأسباب خاصة مثل الإنفاق على التطوير التقني والاختراعات والابتكارات الفنية غير المشمولة في الخطة العامة للدولة. كذلك قامت المصارف المأذون لها والصناديق المشتركة ومؤسسات الادخار بتسليف الأفراد في نطاق ضيّق لمواجهة متطلبات استهلاكية، ولاسيما تمويل السلع المعمرة، ومتطلبات السكن وبعض النشاطات الحرفية ذات الطابع الخاص. وفيما يتعلق بعمليات التجارة الخارجية، ومع أن الدول الاشتراكية جنحت دائماً نحو المقايضات السلعية، فإن طبيعة التعامل في الأسواق العالمية والسهولة النسبية لتمويل التبادل السلعي بالطرق المباشرة، إضافة إلى خصائص آلية عمل نظام النقد الدولي، جعل تلك الدول تعتمد على الائتمان في تمويل حركة تجارتها الخارجية بدرجة أكبر مما تعتمد عليه في الحياة الاقتصادية داخل بلادها. وكان هناك مصارف متخصصة في المعاملات المالية مع الخارج تُموَّل بوساطتها حركة تلك المبادلات. ومع سقوط الأنظمة الاشتراكية تباعاً تبدل نظام الائتمان ليقترب من ذلك المتبع في النظام الرأسمالي أو ليطابقه.
2ـ الائتمان في النظام الرأسمالي: أما في النظام الرأسمالي، فإن عملية الائتمان تتم بالتراضي بين طرفين لتلبي حاجتيهما المختلفتين، أحدهما لديه فائض يريد إقراضه مقابل الحصول على ربح فوق رأسماله، والآخر يريد أن يقترض في بداية مدة الادخار لاستعجال المنفعة باستثمار المال أو التمتع به فوراً بدل الانتظار إلى نهاية مدة الادخار، إلا أن النفع الاقتصادي العام الناجم عن عملية الائتمان الواحدة يكون عادة أوسع بكثير من النفع المباشر الضيق الذي يؤول إلى الطرفين المتعاقدين. فإذا كان المقترض قد لجأ إلى الائتمان لسد حاجة استهلاكية، كالغذاء أو السيارة مثلاً، فإن حصوله السريع على المال وإنفاقه له ينطويان على قلب رأس المال من حالة ادخار إلى حالة استثمار تولد زيادة في الطلب السلعي يقابل بزيادة في العرض من قبل المنتج، وتنعكس هذه الحركة إيجابياً مهما كانت صغيرة وجزئية على عملية الإنتاج الكلية وعلى الدخل القومي للمجتمع. وإذا كان المقترض من أصحاب الفعاليات الإنتاجية، وكان اقتراضه من أجل القيام باستثمارات جديدة، فإن عملية الائتمان ذاتها تسهل له ذلك وتولد لدى استثمارها زيادة في الدخل القومي بنسبة تفوق نسبة الزيادة المباشرة في حجم الاستثمار العام، كما هو معروف اقتصادياً.
والحياة الاقتصادية في المجتمعات الرأسمالية لا تستقيم من دون اللجوء إلى الائتمان، ففي الولايات المتحدة، تبلغ المبيعات التي تتم بتسهيلات ائتمانية تحققها القطاعات المنتجة أو المصارف للمشترين ما يقارب 90% من مجمل السلع الاستهلاكية. وتصل التسهيلات التي يقدمها تجار الجملة للموزعين نحو 30% من مجمل المبيعات. إلا أن تبدلات حجم كتلة الائتمان في المجتمعات الرأسمالية، كثيراً ما أدت إلى زيادة حدة التقلبات في الدورات الاقتصادية، ومن ثم إلى حدوث أزمات اقتصادية ومالية. فقد أدت زيادة حركة الائتمان في أوقات معينة إلى زيادات مفرطة في الطلب على السلع والخدمات وأوجدت أوضاعاً تضخمية، وفي أوقات أخرى أدى النقص في حركة الائتمان إلى نقص في الطلب الكلي وإلى انكماش اقتصادي، وحالة من سوء استغلال الموارد المتاحة، وذلك لأن سرعة تحريك المال بوساطة الائتمان في الأوقات التي يكون فيها مستوى الطلب الكلي مرتفعاً أصلاً يزيد في الإفراط في الطلب على السلع والخدمات، والعكس بالعكس. بيد أن ذلك كله لا يمنع من أن الائتمان يترك في أغلب الأحيان أثراً إيجابياً في تمويل النشاطات الاقتصادية، وفي إيجاد أوضاع من الاستقرار الاقتصادي المقرون بنماء في الدخل. وتتوقف طبيعة الدور الذي يؤديه الائتمان في أي بلد على السياسات الاقتصادية والمالية والنقدية التي تتبعها الدولة في البلد المعني عامة، وعلى سياسة الائتمان المتبعة فيه خاصةً. وتسعى السلطات المالية في الأنظمة الرأسمالية إلى توسيع منفعة الائتمان والتقليل من انعكاساته السلبية. وتتوخى عادة ـ من إحكام نظم الائتمان وتقييدها ـ التقليل من سوء استعماله، ولجم آثاره السلبية كيلا تؤثر في استقرار النمو الاقتصادي، وكذلك تسعى دائماً إلى المحافظة على حقوق المتعاملين بالائتمان.
إن سياسة الائتمان في أي بلد تتقرر عادة من قبل السلطات المالية على وفق الحاجات الخاصة للبلاد، ولتحقيق الأهداف الاقتصادية والمالية المرغوب فيها في ضوء المعطيات القائمة والتطورات المستقبلية المرتقبة. وترتكز سياسة الائتمان في الأساس على حسن تنظيم القنوات التي تنتقل الادخارات عبرها لتمويل الحركة التجارية والاستثمارات الإنتاجية بغية الوصول إلى حالة توظيف اقتصادي أمثل لكل عناصر الإنتاج المتوافرة في البلد باستقرار خالٍ من الضغوط التضخمية أو الانكماشية. كذلك تحرص السلطات المالية على أن تكون سياستها الائتمانية مشجعة على تحويل الاستثمارات إلى قطاعات اقتصادية مرغوب في تنميتها، أو إلى مناطق جغرافية محرومة، وذلك من أجل تصحيح توازنات اقتصادية معينة أو تحقيق أهداف اجتماعية مطلوبة.
أما الدَّين العام بنوعيه الداخلي والخارجي، فإن انعكاساته الاقتصادية كثيرة ومتشعبة وتتوقف نتائجها على المعطيات الاقتصادية والمالية الغالبة في وقت الإقدام على الاستدانة وعلى المتغيرات الاقتصادية والمالية الطارئة، كما تتوقف على الطريقة التي يجري فيها الاقتراض وعلى المصدر الفعلي للتمويل، وعلى السياسات الاقتصادية والمالية التي تنتهجها الدولة لمواجهة إطفاء الدين المترتب عليها. وإن إقدام الدولة على الاقتراض الداخلي عن طريق بيع سندات عامة داخل البلاد له أثر انكماشي مباشر وآني في الدورة الاقتصادية حينما يشتري السندات الجمهور أو المؤسسات التجارية والمالية، وذلك لما ينتج من سحب سيولة نقدية من التداول مساوية لقيمة السندات المبيعة، ولانتقال هذه المبالغ إلى الدولة. أما إذا قام المصرف المركزي باقتناء هذه السندات فإن الأثر المباشر يكون عادة تضخمياً لما ينتج عنه من زيادات في الكتلة النقدية المتداولة. كذلك تجد الدول نفسها مضطرة أحياناً إلى اللجوء إلى الاقتراض الخارجي مِن خلل في ميزان مدفوعاتها، فتطرح سندات بعملتها الوطنية أو بعملات أجنبية خارج حدودها، أو تلجأ إلى الاقتراض المباشر من الحكومات والمؤسسات المالية الأجنبية، أو تسعى للحصول على تسهيلات ائتمانية لتمويل مستورداتها من الخارج، وهذا كله يرتب عليها أعباء والتزامات تجاه العالم الخارجي كما يوجد حقوقاً للجهات الأجنبية في ناتجها القومي.
والائتمان يعدّ عنصراً عضوياً في عمليات التجارة الخارجية، فبسبب البعد الجغرافي وميل المصدّر إلى تسلم ثمن بضاعته قبل شحنها وحرصه على ضمان ذلك، وبسبب جنوح المستورد إلى عدم دفع ثمن مشترياته إلا بعد تسلمها والتأكد من مطابقتها للمواصفات، تمَّ تاريخياً اللجوء إلى كتب الاعتماد وإلى «البوالص» التجارية لتفي بحاجة الطرفين معاً. وتؤدي المصارف التجارية خدمات مهمة في ضمان هذه الأوراق وإيجاد آلية العمل السهلة التي تفي بحاجات المصدّر والمستورد معاً. يضاف إلى ذلك لجوء بعض المصدرين أحياناً، بغية ترويج بضائعهم، إلى تقديم تسهيلات ائتمانية للمستورد لتمكينه من بيع البضاعة، أو جزء منها، قبل سداد ثمنها كاملاً.
وإن معظم عمليات الائتمان الداخلية والخارجية في عالم اليوم لا تتم مباشرة بين الطرفين المعنيين، بل تجري بطريقة غير مباشرة بوساطة المصارف والمؤسسات المالية المتخصصة، أي إن العمل الأساسي لهذه الأجهزة والمؤسسات هو اجتذاب مال المقرضين ووضعه في متناول المقترضين بأساليب تحفظ حقوق الأطراف المتعاملة وتخدم مصالحها وتعود في الوقت نفسه على المؤسسة بهامش ربح، مما يمكنها من الاستمرار والتوسع في عملها. وقد تنوعت هذه المؤسسات بتنوع القطاعات الاقتصادية التي توجه نشاطاتها نحوها، فهناك المصارف التجارية والمصارف الصناعية والمصارف الزراعية والمصارف العقارية ومؤسسات الادخار والتسليف وصناديق التأمين والتوفير ومؤسسات تمويل الاستهلاك وغيرها.
3ـ الائتمان في البلدان ذات النظام الاقتصادي المختلط: وإذا كان ما تقدم يلقي بعض الأضواء على أثر الائتمان في النظامين الرأسمالي والاشتراكي، فإن للبلدان ذات النظام الاقتصادي المختلط وضعاً خاصاً، وذلك لوجود قطاعين، عام وخاص يعملان فيها جنباً إلى جنب. ففي الأنظمة المختلطة غالباً ما يكون الائتمان المتعلق بالقطاع العام مقيداً بالخطة الاقتصادية، في حين يزاول القطاع الخاص نشاطاته على نحو مشابه لما يجري في البلدان الرأسمالية، وتقوم أجهزة الدولة عادة بالتوفيق بين التناقضات الناجمة عن ذلك. غير أن خصوصية عملية الائتمان في البلدان ذات الاقتصاد المختلط تتحدد بطابع النظام المصرفي القائم الذي يتحكم في الاعتمادات الممنوحة.
الائتمان في سورية:
آ ـ طبيعة النظام الاقتصادي السوري: مع أن القطاع العام هو القطاع الرائد والأساسي في الاقتصاد السوري، فإن النظام الاقتصادي القائم يمكن أن يوصف بأنه نظام الاقتصاد المختلط. فإلى جانب القطاع العام يوجد قطاع خاص يمارس فعاليات واسعة، ثم هناك القطاع المشترك الذي تتوزع ملكيته بين الدولة والقطاع الخاص، وهنالك القطاع التعاوني الذي يتوسع باستمرار. كذلك لا يمكن تجاهل أن الأغلبية العظمى من السكان مسلمون، وأن المتمسكين بالأصول منهم يتحاشون المعاملات الربوية، لذلك فإن الائتمان في القطر العربي السوري له سمات خاصة تختلف عما في معظم بلدان العالم، فالائتمان بين الأفراد في المدن والريف شائع ومنتشر، وأما القطاع المصرفي فهو برمته ملك للدولة ومرتبط ارتباطاً مباشراً بوزارة الاقتصاد والتجارة الخارجية، وهو قطاع ناشط وفعال، يؤدي خدمات مصرفية كاملة ومتطورة. كذلك فإن التشريع النافذ، ولاسيما قانون التجارة، ينظم العلاقات بين المتعاملين ويحفظ حقوق الدولة والأشخاص.
ب ـ مؤسسات الائتمان وأجهزته في سورية: إن مؤسسات الائتمان وأجهزته في سورية كثيرة ومتنوعة، فالمصرف التجاري السوري يمارس جميع المعاملات الائتمانية المتعلقة بالتجارة الداخلية والخارجية، وله نحو أربعين فرعاً تنتشر في جميع المحافظات. والمصرف الزراعي يقوم بتلبية معظم حاجات المزارعين صغاراً وكباراً على وفق نظام للتسليف الموسمي والمتوسط الأجل يشتمل على مجالات الإنتاج الزراعي بشقيه النباتي والحيواني والتشجير واستصلاح الأراضي والري والمكننة بشروط سهلة. والمصرف الصناعي المتخصص بالتسليف الصناعي يقوم بتقديم قروضٍ متوسطة الأجل وطويلة الأجل للراغبين في الاستثمار الصناعي بإجراءات ميسرة ومشجعة. أما المصرف العقاري المختص بالتسليف المتوسط والطويل الأجل للمواطنين وللجمعيات التعاونية من أجل شراء المساكن أو بنائها بإجراءات مختصرة وفوائد متدنية فهو يؤدي خدمات كبيرة ومهمة في مجالات الإسكان والبناء والتشييد والسياحة. ثم هناك مصرف التسليف الشعبي المخصص بتوفير القروض التي تفي بحاجات ذوي الدخل المحدود والقطاعات الحرفية والمهنية، كما يصدر سندات خاصة هي «شهادات الاستثمار» المنتشرة والرائج اقتناؤها.
أما مصرف التسليف الطلابي فمعظم عملياته محصورة بالتسليف للطلاب الجامعيين. ثم إن مؤسسة صندوق توفير البريد لها نشاط واسع في جميع أنحاء سورية. إضافة إلى أن المؤسسة السورية للتأمين والمؤسسة العامة للتأمينات الاجتماعية والصناديق الكثيرة للنقابات المختلفة والجمعيات لها برامج عمل مالية ذات علاقة بالائتمان.
كذلك فإن مصرف سورية المركزي، وهو مصرف الإصدار، يمارس النشاطات الكاملة التي هي من المهمات المعهودة للمصارف المركزية في بقية دول العالم. والمصرف المذكور يعمل بإشراف وزارة الاقتصاد والتجارة الخارجية، وهي الجهة التي تصدر الخطة السنوية للقطع الأجنبي في ضوء أوضاع ميزان المدفوعات، على نحو يتفق مع معطيات الخطة الخمسية للتنمية الاقتصادية والاجتماعية المعمول بها، والميزانية العامة السنوية للدولة. وإن سياسة الائتمان المتبعة في القطر العربي السوري، وهي جزء من السياسة النقدية، تقررها الحكومة أسوة ببقية السياسات المالية والاقتصادية، لأن جميع المصارف في سورية هي مصارف حكومية تعمل بإشراف الحكومة. ومع أن سياسات الائتمان وإجراءاته في سورية متطورة نسبياً مقارنة مع كثير من دول العالم، فإنها غير خالية من بعض الثغرات والمثالب، وثمة اهتمامات كبيرة تبذل بجدية للعمل على تذليلها ولتطوير الاقتصاد السوري بوجه عام.

محمد بشار كبارة